ننتظر تسجيلك هـنـا


{ اعلانات سكون القمر ) ~
  <
 


۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ • كل مايخص رسولنا الڪريم وسيرٺه وسيرة الصحآبه •°

-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك : أفضل كاتب :
بيانات نهيان
اللقب
المشاركات 173565
النقاط 6618155
بيانات نهيان
اللقب
المشاركات 173565
النقاط 6618155


كليم الله موسى عليه السلام

• كل مايخص رسولنا الڪريم وسيرٺه وسيرة الصحآبه •°


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-24-2021, 05:37 PM
انثى برائحة الورد غير متواجد حالياً
Morocco     Female
SMS ~
Awards Showcase
لوني المفضل Blueviolet
 رقم العضوية : 1718
 تاريخ التسجيل : 08-02-2020
 فترة الأقامة : 1602 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (01:25 PM)
 المشاركات : 130,341 [ + ]
 التقييم : 102623
 معدل التقييم : انثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond reputeانثى برائحة الورد has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي كليم الله موسى عليه السلام




الحمد لله رب العالمين؛ يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ذاته وصفاته، حكيم في أفعاله وقضائه، عدل في أحكامه وعقوباته، رحيم بعباده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى من بين البشر، وجعله إمام الرسل، وصرف الله تعالى عنه شتم قريش وأذاهم، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن كل عام يمضي إنما يمضي من أعماركم، وأن كل عام يأتي إنما يقربكم من قبوركم، فاعملوا في دنياكم لآخرتكم، وفي حياتكم لموتكم ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
أيها الناس: يتفاضل البشر بعضهم على بعض بقدر صلاح قلوبهم، وزكاء أعمالهم، وقربهم من ربهم تبارك وتعالى، وإخلاص الدين له وحده عز وجل، وكل ما فيهم من الخير والهدى، والصلاح والتقى إنما هو محض فضل الله تعالى عليهم، فهو الذي هداهم واجتباهم.
وقد اختص سبحانه بعض البشر بمنازل ومقامات لا تكتسب، إن هي إلا محض اصطفاء منه سبحانه؛ كما اختص الأنبياء بالنبوة، والرسل بالرسالة، وفضل بعضهم على بعض، فأولو العزم من الرسل عليهم السلام أفضل من غيرهم، ومحمد عليه الصلاة والسلام أفضل أولي العزم.
والرسل عليهم السلام هم قدوة البشر، وهم هداية الخلق، وهم الواسطة إلى الله تعالى، ينزل عليهم كتبه، ويشرع لهم شرائعه، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، والرسل عليهم السلام يبلغون عن الله تعالى رسالاته، ويهدون الناس لشريعته، فوجب على البشر تصديقهم والإيمان بهم، واتباعهم وطاعتهم، ومحبتهم في الله تعالى.
وما من رسول إلا أوذي في الله تعالى، وناله من عظيم الابتلاء ما ناله، وابتلي به قومه، فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر، والمؤمن له إيمانه،
والكافر عليه كفره.

ومن أشهر الرسل ذكرا، ومن أكثرهم ابتلاء: كليم الله تعالى موسى بن عمران عليه السلام؛ فقد ابتلي بأشهر طاغية عبَّدَ الناس لنفسه من دون الله تعالى، وكان ابتلاء قوم موسى بهذا الطاغوت قبل ولادة موسى عليه السلام؛ إذ كان يقتل أبناءهم، ويستبقي نساءهم، بسبب ما علمه من أن زوال ملك الفراعنة سيكون على يد واحد ممن يستضعفهم من بني إسرائيل، فأمعن في قتل أبنائهم حتى كان جنده يحصون الحوامل من بني إسرائيل لقتل من يولد من الأبناء، واستبقاء من يولد من البنات، وعظم بذلك كرب بني إسرائيل، واشتدت محنتهم، وكم من أبوين بكيا ابنا أو أبناء لهما، لا لشيء إلا احتياطا لملك فرعون وجنده ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4] وقد وصف الله تعالى ما حاق ببني إسرائيل على يد فرعون بالبلاء العظيم، وجعل سبحانه وتعالى من منته عليهم أن نجاهم من ذلك ببعثة موسى عليه السلام ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49].
وكادت بنو إسرائيل أن تفنى وهم المسخرون في خدمة فرعون وجنده، فأمر فرعون بإبقاء أبناء بني إسرائيل سنة، وقتلهم سنة أخرى، وهذا يدل على طغيانه وعتوه، وإلا فهو يعلم أن الغلام الذي يهدد ملكه قد يولد في عام الاستبقاء، ويقدر الله عز وجل أن يولد هارون عليه السلام في سنة الاستبقاء، وحملت أمه بموسى عليه السلام في سنة القتل، فعظم به كربها، وازداد همها، وعزمت على إخفاء حملها، فاحتاطت حتى آن وضعه، فوضعته على غير علم من عيون فرعون وجنده، فألقى الله تعالى في روعها أن تخفيه في تابوت وتضعه في النيل، وكانت دارها على ساحله، فكانت ترضعه فإذا خافت أحدا وضعته في تابوته وأرسلته في الماء وحبل التابوت عندها تسحبه إذا أمنت، وترسله إذا خافت، فلما أراد الله تعالى أن يمضي قضاؤه، وأن ينفذ أمره، وأن يتربى موسى في بيت عدوه؛ نسيت أم موسى أن تربط طرف الحبل عندها، فمضى التابوت في الماء إلى حيث يريد الله تعالى ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7] فكان هذا الحفظ والرعاية من الله تعالى لموسى عليه السلام من أعظم الآيات والمعجزات، وأكبر البشارات لأمه عليها السلام، ولا بشارة أكبر من ذلك إلا حين بشرت بأن ابنها سيكون من المرسلين.
وقد امتن الله تعالى على موسى عليه السلام بهذا الحفظ والرعاية لما خاطبه بالرسالة ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ
يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ [طه: 37، 39].

ومن عجيب تدبير الله تعالى أن رعايته سبحانه وحفظه وعنايته قد أحاطت بموسى عليه السلام من كل جانب؛ فأمه عليها السلام لما ألقته في النيل وفقدته اشتد خوفها عليه، وحزنت حزنا شديدا، وكادت أن تكشف سرها، وتظهر لعدوها أمر طفلها، ولكن الله تعالى ثبتها، وربط على قلبها، وهذا من عظيم رعاية الله تعالى لها ولولدها عليهما السلام ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا
لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10].

ثم إن من لطف الله تعالى وعظيم تدبيره في ذلك: أن ألقى المحبة على موسى عليه السلام وهو في المهد، فما يراه أحد إلا أحبه رغما عنه؛ ليقع مراد الله تعالى من حفظه ورعايته في بيت عدوه؛ ولذلك قال سبحانه لموسى عليه السلام في معرض منته عليه ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً
مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39].

وكان من قدر الله تعالى: أن يظفر بطفل النيل أفراد من بيت فرعون فيأتون به إلى زوجه وكانت لا تنجب وهذا أيضا من تهيئة مكان لموسى في بيت فرعون، وفي قلب زوجته؛ ولربما لو كان لها ولد ما تعلقت به هذا التعلق. إنها رأته فأحبته فشفعت فيه لدى فرعون وخاطبته قائلة ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [القصص: 9] إنها تجادل عنه، وتشفع فيه، وتحاور فرعون لأجله، وهي وفرعون لا يعلمان إرادة الله تعالى في هذا الغلام، وأن هلاك فرعون سيكون على يديه، وأن ملك الفراعنة سيؤول إلى بني إسرائيل بسببه؛ ولذلك عقب الله تعالى على هذه المحاورة بقوله سبحانه ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف: 95] أي لا يعلمون ما خبئ
لهم في هذا الغلام الذي يتحاوران فيه.

وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة فرعون لما قالت له: قرة عين لي ولك، قال فرعون: يكون لك، فأما لي فلا حاجة لي فيه، ولو أقرَّ فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت امرأته لهداه الله تعالى كما هداها ولكن حرمه)وقد انتفعت امرأة فرعون بمقولتها ﴿ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا ﴾ [يوسف: 21] إذ نفعها الله تعالى به، وهداها من الكفر إلى الإيمان على يديه، وضرب سبحانه المثل بإيمانها في القرآن ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ
وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].

وعلى هذا المعنى العظيم يعلق ابن كثير رحمه الله تعالى: بأن البلاء موكل بالمنطق، فينبغي للعبد أن لا ينطق إلا بخير، وما ضرَّ فرعون لو سكت ولم ينطق بالسوء، ولكنْ من كتب عليه الشقاء أصابته سهامه، ونالته أسبابه. وكم من أب يقال له: هذا ولدك ينفعك غدا في كبرك، فيقول: لا، أو لا أحتاج إلى نفعهم، فيجري الله تعالى حكمه فيهم على ما قال أبوهم.
وصدق الله تعالى وعده، ومكن لعبده، وأوفى لأم موسى ما وعدها من ردِّ وليدها عليها بعد أن ألقته في اليم، فجاع الرضيع ولم يلتقم ثديا، ولم يقبل طعاما، ولا وجدوا حيلة لإرضاعه، وإسكان جوعه، وإسكات صياحه، وكان من قلق أمه عليه أن أرسلت أخته تلتمس خبره، فرأته يدار به على النساء لعله يقبل إحداهن فيرضع منها، فأشارت عليهم ببيتها وأمها، فعاد الرضيع إلى حضن أمه، والتقم ثديها، وشبع من لبنها، ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 11 - 13] وقد امتن الله تعالى على موسى عليه السلام بهذه النعمة العظيمة لما كلمه سبحانه فقال له: ﴿ ذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ [طه: 40].
عاش موسى عليه السلام في قصور فرعون يأكل أطيب الطعام، ويلبس أحسن اللباس، ويركب أفضل المراكب، ويتمتع بما يتمتع به أبناء الملوك، محفوظا بحفظ الله تعالى وعنايته ورعايته، وصدق سبحانه إذ خاطبه
بقوله عز وجل: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39].

حتى إذا بلغ الفتى مبلغ الرجال، واستحكم خلْقُه وخُلُقَه، وكمل أربعين سنة بعثه الله تعالى رسولا يوحى إليه من أنوار العلم والمعرفة والنبوة ما لا يعلمه إلا الله تعالى ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14] وبذلك تمت موعدة الله تعالى لأم موسى عليهما السلام حين قال لها: ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].
ثم هيأ الله تعالى لموسى عليه السلام أسباب الهجرة من مصر إلى مدين بسبب قتله للقبطي الذي اعتدى على الإسرائيلي، وصار بسببه مطلوبا لدى فرعون وجنده ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [القصص: 15 - 19].
ولا يزال الله تعالى يحوطه برعايته وعنايته، ويحفظه من مكر عدوه وبطشه؛ إذ سخر له من يخبره بما عزم عليه قوم فرعون من قتله، فكان ذلك سبب هجرته ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 20، 21].
هاجر موسى عليه السلام خوفا من فرعون وبطشه، وليس معه طعام ولا متاع، وهكذا الرسل عليهم السلام تبتلى بالجوع والشدة، والفراق والهجرة، كما تبتلى بظلم الظالمين، وأذى المشركين، قال بن عباس رضي الله عنهما: (سار موسى عليه السلام من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر وكان حافيا، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة).
ولكنه عليه السلام كان قوي الإيمان، متوجها بقلبه إلى الله تعالى، متوكلا عليه، واثقا به، لا يتعلق بغيره، ولا يسأل سواه، فهيأ الله تعالى له أسباب الرعاية والكفاية في البلد التي قدم عليها، وسخر له عباده الصالحين، في قصة الفتاتين اللتين تسقيان ذودهما فأعانهما، فكان ذلك سبب عمله عند ذلك الرجل الصالح، وزواجه من ابنته، وهكذا الرسل عليهم السلام يكدون ويكدحون، ويغتربون ويستأجرون؛ لسد حاجاتهم الضرورية، وما من نبي إلا رعى الغنم؛ كما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟فقال: نعم، كنت
أرعاها على قراريط لأهل مكة) رواه البخاري.

فبَذْلُ الأسباب، وكسب العيش، والتعفف عما في أيدي الناس من شيم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وكليم الله موسى عليه السلام أجَّر نفسه لخدمة الرجل الصالح، ورعي غنمه عقدا كاملا من عمره؛ ليتزوج الصالحة ابنة الصالح فيعف نفسه ويحصن فرجه، وكان ما وقع له من التيسير في ذلك ببركة دعائه الصالح، وتوجه قلبه إلى الله تعالى لما خرج مهاجرا من بطش فرعون وجنده ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [القصص: 22 - 28].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.....


الخطبة الثانية

الحمد لله؛ نحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره شكرا مزيدا على ألآئه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].
أيها الناس: لما أكمل موسى عليه السلام أجله، وأدى الخدمة لوالد زوجه، فارقهم عائدا إلى مصر، وكلمه الله تعالى في الوادي المقدس طوى، وكلفه سبحانه بتبليغ فرعون وقومه رسالاته، ودعوتهم إلى عبادته وحده لا شريك له، فجرى لموسى عليه السلام مع فرعون ما جرى من التكذيب والأذى، والمخاصمة والمناظرة؛ مما بسط خبره في سور الأعراف ويونس وطه والشعراء والقصص، فلما خصمهم موسى عليه السلام بالحجة والبيان، وأثبت صدقه بالمعجزة والبرهان، ما كانت حيلة العاجزين عن إثبات كفرهم وعلوهم إلا بالبطش والظلم والقوة، وسعوا جادين في قتل موسى والمؤمنين؛ ليستمروا في تعبيد الناس لهم من دون الله تعالى؛ ولكن الله تعالى غالب على أمره، ونافذ في الخلق حكمه، فأنجى سبحانه وتعالى موسى ومن معه، وأغرق فرعون وجنده، وجعل ذلك آية لخلقه، وعبرة في مصير الظالمين، يتذكرها البشر عبر الأجيال، وينتفع بها قراء القرآن كلما رتلوا وقائع هذه القصة العظيمة، ووقع أمر الله تعالى الذي أخبر به حين قال ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8] فهم التقطوه بأيديهم، وربوه في قصورهم، وكان تحت أعينهم، ولم يعلموا أنه عدوهم، وهذا أبلغ في النكاية بهم، وأشد حسرة عليهم؛ لأنهم اختاروا أخذ ما يكون هلاكهم على يديه، بخلاف ما لو كان هلاكهم على يد غيره، فسبحان اللطيف الخبير، العليم الحكيم، الذي أتى فرعون وجنده من حيث لم يحتسبوا، وبأيدهم هم، لا بغيرهم ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 6].
وهذه السنة الربانية العظيمة التي وقعت لموسى مع فرعون تتكرر في البشر؛ فكم من سلطان خسر سلطانه على يد ألصق الناس به، وأشدهم إحسانا إليه، فكان هلاكه وزوال ملكه على أيديهم سواء كان ذلك بحق أم بباطل، ولكن تدبير الله تعالى في ذلك لطيف عجيب؛ إذ يؤتى الحذر من مأمنه، ولا ينفع الاحتياط والتوقي لرد أمر الله تعالى وقدره، وهذا يوجب علينا أن لا نفر من الله تعالى إلا إليه، ولا نحذر منه إلا به، ولا نتقي قدره إلا بطاعته ودعائه؛ فإن الدعاء يرد القدر، وينفع فيما نزل وما لم ينزل، فعلقوا بالله تعالى قلوبكم، وفروا منه إليه. ولو كان الحذر رادَّا للقدر، ونافعا لأحد؛ لنفع فرعون الذي قتل ولدان بني إسرائيل حذرا من هلاكه وزوال مملكته، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أيها الإخوة: ولعظيم ما بين الأنبياء والرسل عليهم السلام من الأخوة والمحبة في الله تعالى: شرع نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم صيام اليوم الذي نُجِّي فيه موسى والمؤمنين معه، وأُهلك فرعون وجنده؛ شكرا لله تعالى على ذلك، وفرحا بنجاة المؤمنين، وهلاك المكذبين، روى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال عليه الصلاة والسلام: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) متفق عليه. وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله
أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم.

ولما أكمل الله تعالى دينه، واستقرت شريعة الإسلام قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب، وقد كان قبل ذلك يحب موافقتهم لما معهم من الكتاب، فأمر عليه الصلاة والسلام بمخالفتهم في صوم يوم عاشوراء، وذلك بصيام يوم قبله أو بعده، ولما قال له أصحابه رضي الله عنهم عن يوم عاشوراء: (إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.
ألا فاتقوا الله ربكم - أيها المسلمون - واحرصوا على صيام هذا اليوم العظيم، وخالفوا أهل الكتاب فيه بصيام يوم قبله أو بعده، وقد كان الزهري رحمه الله تعالى يصوم يوم عاشوراء في السفر، وكان يأمر بفطر رمضان في السفر، فقيل له في ذلك، فقال: (رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت).



وصلوا وسلموا على نبيكم.....





رد مع اقتباس
قديم 09-24-2021, 05:41 PM   #2


انثى برائحة الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1718
 تاريخ التسجيل :  08-02-2020
 أخر زيارة : يوم أمس (01:25 PM)
 المشاركات : 130,341 [ + ]
 التقييم :  102623
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 SMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : Blueviolet
افتراضي




الحمد لله الحفيظ العليم، أحاط علمُه بعباده، وأسبغ نعمَه على أوليائه، فاستخلفهم بعد الاستضعاف، ومكَّن لهم بعد الابتلاء؛ ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5، 6]، نحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره شكرًا يزيد فضله وإنعامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصر أولياءه، وكبت أعداءه؛ ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بدين الحق ليُخرِجَ الناسَ من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى؛ ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أصلح هذه الأمة قلوبًا، وأزكاهم أعمالاً، وأكثرهم إخلاصًا، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، اتقوا مَن خلَقَكم ورزقكم، ويحييكم ويميتكم، وإليه مرجعكم وعليه حسابكم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].

أيها الناس:


قصص الأنبياء عليهم السلام وما جرى لهم مع أقوامهم فيها تنبيهٌ للغافلين، وعِبَرٌ للمعتبرين، وقدوةٌ صالحة للمؤمنين؛ فهم رسل الله تعالى إلى الناس، وهم الهادون الناصحون لهم، الحريصون المشفقون عليهم؛ ولذا قص الله تعالى أخبارهم في القرآن، وكرَّر ذلك وأعاد، وأمَرَنا بالتزام هديهم، والتأسي بهم؛ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90]، وفي آية أخرى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

وكليم الله تعالى موسى بنُ عمران عليه السلام هو أكثر رسل الله تعالى ذِكرًا في القرآن، وقصصُه هي أشهر القصص، وما ذُكرتْ قصةُ أحد في القرآن كما ذكرتْ قصتُه في ولادته ونشأته، وابتلائه وهجرته، ونبوءته ورسالته، ومناظراته مع فرعون، ومعالجته لبني إسرائيل، وغير ذلك مما هو مبسوط في القرآن.
لقد جعل الله تعالى خلاصَ بني إسرائيل على يد هذا الغلام منهم، فنجَّاهم سبحانه به من ظلم فرعون وجبروته، ومكَّن لهم في الأرض، وأظهر قدرته عز وجل في أن يعيش هذا الغلام في بيت فرعون، ويتربَّى أمام عينيه، وقدَّر هلاكه وزوال مملكته على يديه، فسبحان من خَلَقَ كل شيء فقدَّره تقديرًا!
ولما بلغ الفتى مبلغَ الرجالِ، آتاه الله تعالى حُكمًا وعلمًا، وائتمر به ملأُ فرعون ليقتلوه؛ لأنه قتل أحدَ الظَّلَمة منهم، فنجَّاه الله تعالى من كيدهم بالهجرة إلى مَدْيَنَ، والعمل في رعي الغنم عند الرجل الصالح عشر سنوات ليزوجه ابنته، فأتمَّ موسى عملَه، وقضى أجلَه، واشتاق إلى أهله.
وما أصيب موسى عليه السلام بهذه الابتلاءات، ونالتْه المشقة، وتحمل أعباء المطاردة والغربة والهجرة والعمل إلا إعدادًا من الله تعالى ليكون رسولاً إلى أعتى الطغاة، وأقوى الجبابرة المستكبرين، وصدق الله العظيم حين خاطبه: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]، وفي الآية الأخرى: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [طه: 41].
لقد أعدَّه الله تعالى للرسالة برعيِ الغنم، وطولِ السفر، وشدةِ الغربة، وقوةِ الساعد، وصفاءِ النفس، ومعرفتِه لعدوِّه.
والنبوة لها أثقالٌ ومؤونة، لا يحملها ولا يستضلع بها إلا أهلُ القوة والعزم من الرسل - بعون الله تعالى وتوفيقه - لما يلقون من الناس، وما يُرَدُّ عليهم مما جاؤوا به عن الله عز وجل.
وأضحى موسى عليه السلام بهذه التربية والشدةِ مؤهلاً للرسالة وأعبائها وأثقالها، قادرًا على مواجهة أقوى الظلمة، وأعتى الجبابرة، فكانت النبوةُ والرسالة، وكان الاصطفاءُ والتكليم.
عاد موسى عليه السلام بعد هذه الهجرة الطويلة من مدين بزوجه، متوجهًا إلى مصر حيث أمُّه وإخوانه، وأثناء طريقه، وفي ليلةٍ مباركة، كالحةِ الظلمة، شديدةِ البرد، أبصر نارًا تأجج في جانب الطور، فذهب يلتمس لأهله نارًا، فما كانت نارًا، ولكنْ كان نورًا من الله تعالى نال به موسى عليه السلام أعظمَ كرامةٍ، وحظي بأعلى منزلة؛ إذ كلَّمه الله تعالى مباشرة بلا واسطة، فحمَّله رسالته، وأمره بأمانته، فما أعظمَه من تشريف، وما أثقلَه من تكليف! ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [القصص: 29، 30].
شرَّفه الله تعالى بكلماته، واصطفاه برسالاته، ورفع قدْره، وأعلى شأنه، وأخبره في هذا المقام العظيم بأنه عز وجل ربُّه؛ فقال سبحانه: ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [القصص: 30]، وهذا يدلُّ على أن العبودية لله تعالى هي أشرف المقامات، وأعلى الوظائف؛ ولذا تُذكر في أجلِّ المواضع وأعلاها.



وفي موضعٍ آخرَ عظيمٍ مبارك من القرآن: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 11 - 16].
وفي موضع ثالث من القرآن العظيم: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ الله رَبِّ العَالَمِينَ * يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [النمل:8، 9].
ثم أيده الله تعالى بالمعجزات، وأجرى على يديه الآيات؛ ليكون أثبتَ لكلامه، وأقوى لحُجَّته، وأدْعى لتصديقه، ومن قدرةِ الله تعالى أنْ جعل هذه المعجزاتِ مما مع موسى عليه السلام لا من غير ذلك؛ ليعلم أن الله تعالى يحيلها عن عادتها التي عرفها موسى إلى ما يريد الله تعالى وذلك أبينُ في القدرة، وأقوى في البرهان والحجة؛ ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى ﴾ [طه: 17 - 21].
وفي آية النمل: ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 10]، وفي القصص: ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ ﴾ [القصص: 31].
فهذه هي المعجزة الأولى لموسى عليه السلام ومن قَدَرِ الله تعالى أنه سيكون لها شأن عظيم في مقارعة سحرة فرعون، وستقضي على سِحرهم، وتكون سببًا في إيمانهم، فما أجلَّها من معجزة! وما أعظمها من آية! ومن يقلب عصًا لا حراك فيها إلى حيَّةٍ حقيقية لا تخييل فيها ولا خداع، إلا من يَخلُق من العدم، ويحيي الأموات، ويميت الأحياء؛ ﴿ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].
وأما المعجزة الثانية، فنورٌ آتاه الله تعالى موسى في يده من غير بأس ولا مرض، يظهره لمن شاء، متى شاء؛ ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكُبْرَى ﴾ [طه: 23]، وفي آية النمل: ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ [النمل: 12]، وفي القصص: ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [القصص: 32].
إنها آياتٌ كبرى لا يكذِّب بها إلا معاندٌ، ولا يردُّها إلا مستكبرٌ، ومع ذلك فإن موسى عليه السلام خاف أن يكذِّبه فرعونُ وقومُه، وطلب من الله تعالى أن يبعث أخاه هارونَ معه، وشفع له عنده، فقَبِل الله تعالى شفاعة الكليم، وبعث معه أخاه هارون رسولاً؛ ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ ﴾ [القصص:33، 35]، وفي آيات أخرى قال موسى عليه السلام: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 29 - 36].
وتلك هي أعظم شفاعة عرفها البشر في الدنيا وأنفعها، حين شفع موسى لأخيه هارون بالرسالة، فقبل الله تعالى شفاعتَه فيه، وبعثه رسولاً معه، وفي هذا يقول بعض السلف: ليس أحد أعظم منَّةً على أخيه من موسى على هارون عليهما السلام فإنه شَفَعَ فيه حتى جعله نبيًّا ورسولاً معه إلى فرعون وملئه.
ولو لم يكن هارون أهلاً للشفاعة، لما شفع فيه موسى عليهما السلام.
وهذا يدل أيضًا على علوِّ منزلة موسى عند الله تعالى وأنه ذو وجاهة؛ إذ قَبِلَ سبحانه شفاعته، وقد قال الله تعالى في موسى عليه السلام: ﴿ وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69].
وبلَّغ موسى وهارون عليهما السلام رسالات ربِّهما، وكذَّب فرعونُ وقومه رسوليهم؛ فأهلكهم الله تعالى وأنجى موسى ومن معه؛ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ﴾ [الفرقان:35، 36].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا يليق بجلال ربِّنا وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:
في هذا الجزء المبارك من قصة موسى عليه السلام عِبَرٌ ودروس، ينبغي لمن قرأ القصةَ في كتاب الله تعالى أن يتدبَّرَها وينتفع بها.
فقد دلَّتْ هذه القصةُ العظيمة على أن أعظم الأعمال القلبية وأزكاها عند الله تعالى توحيدُه سبحانه وإخلاصُ الدين له، كما دلَّتْ على أن الصلاة أعظمُ العبادات العمليَّة، فمَن صحَّ توحيدُه قُبِلَ عملُه، ومن قُبل عملُه نجا، وهكذا الصلاة؛ إذ هي أول ما يُحاسَب عليه العبدُ من عمله، فإن قُبلتْ فقد أفلح وأنجح، وإن رُدَّتْ رُدَّ عليه سائرُ عمله، ولما كلم الله تعالى موسى عليه السلام أمره بالتوحيد والصلاة؛ لعظيم منزلتهما، وفخامةِ شأنهما عنده عز وجل: ﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه:31، 14].

وفي شريعة محمد عليه الصلاة والسلام كانت شهادةُ التوحيد أولَ أركان الإسلام، وكانت الصلاةُ ثانيها.
وتضمن كلامُ الله تعالى لموسى عليه السلام التذكيرَ بالساعة للحساب والجزاء، وبيان أن أهل الأهواء من الكفار والمنافقين يصدُّون الناس عن التصديق بها، أو العمل لها، وما أكثر ما يفعلون ذلك في هذا العصر! وواجبٌ على أهل الإيمان ألاَّ يطيعوهم في ذلك، وإلا هلكوا؛ ذلك أن أهل الأهواء من الكفار والمنافقين يوردون الناسَ المهالكَ؛ ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه:15، 16].

ومن يدْعو إلى الحق يجب عليه أن يسعى في إكمال ما لديه من نقصٍ في العلم، أو الحُجة، أو البيان، أو غير ذلك؛ ليكون أدعى لقَبول الحقِّ منه، ولئلا يتعلَّق أهلُ الباطل في صدِّ الناس عن الحق بما فيه من نقص، وعليه أن يتعلق بجناب الله تعالى في إكمال نقصه، ويسأله الإعانة والسداد.
ولما كان في لسان موسى عليه السلام احتباس يَحُول بينه وبين فصيح الكلام؛ سعى في إكمال هذا النقص الذي فيه بأنْ طلب من ربِّه عز وجل أن يرسل أخاه معه؛ ليعينه على إظهار الحق وبيانه، فقال عليه السلام: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34]، وفي آيات أخرى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ [الشعراء: 12، 13].
وسأل الله تعالى أن يشرح صدره، ويعينه على مهمته، وأن يطلق بعض عُقَد لسانه؛ ليفهموا مقاله، فقال عليه السلام: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 - 28].
قال العلماء: ما سأل موسى عليه السلام أن يزول ذلك بالكلية؛ بل بحيث يزول العي، ويحصل فهمُ ما يلقي عليهم، ولو سأل الجميعَ لزال، ولكن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون إلا بحسب الحاجة.
ومن عادة أهل الباطل أنهم يتعلَّقون بأي نقص في داعية الحق؛ ليلمزوه به، وينفِّروا الناس منه، ويصرِفوهم عن دعوته، وقد كان فرعون يُعَيِّر موسى عليه السلام بهذا النقص في لسانه فيقول للناس: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزُّخرف: 52].
وداعية الحق قد يُبتلى بطاغية من الطواغيت عبَّد الناس له من دون الله تعالى وقد يخاف من بطشه وجبروته الخوفَ الطبيعي الذي هو من جبلَّة الإنسان وعادته، فعليه حينئذٍ أن يستعين بالله تعالى في دعوته، والنصرة عليه، وإظهار الحقِّ له، ومن أخلَصَ في ذلك أعانه الله تعالى كما أعان موسى عليه السلام على فرعون وسطوته وجبروته، وأوصاه بما يذهب خوفه، فقال سبحانه: ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ [القصص: 32]؛ أي: اجعل يدك على فؤادك يسكنْ خوفُك، ويذهبْ رهبُك.
وكل هذه الدعوات والأعمال من موسى عليه السلام دليلٌ على أن الأنبياء عليهم السلام يأخذون بأسباب النصر، وإزالة الخوف، وقوة القلب، وتبليغ الحق، مع أنهم مؤيدون من الله تعالى فهذه سنَّتهم التي ينبغي لدعاة الحق أن يلتزموها.
وفي شفاعة موسى لأخيه هارون عليهما السلام مشروعيةُ الشفاعة، وإيصال النفع للقرابة، وأن ذلك من البرِّ والصلة، ما لم يكن في الشفاعة إضرار بأحد، أو إعطاء من لا يستحق وحرمان من يستحق، كما هو السائد في أكثر شفاعات الناس في هذا العصر.

أيها الإخوة:
وفي هذه القصة العظيمة ما هو أكثر من هذه الدروس والفوائد، يجدها من قرأ كتاب الله تعالى بحضور قلب وتدبُّر، واستعان ببعض كتب التفسير، فلا تحرموا أنفسكم هذا الخير العظيم؛ فإن أشرف العلوم وأجلَّها العلمُ بكتاب الله تعالى وبأحوال ما قصَّ علينا فيه من أخبار رسله عليهم السلام فخُذوا حظَّكم من ذلك، ولا يشغلكم عنه شاغل.

وصلوا وسلموا..


 

رد مع اقتباس
قديم 09-24-2021, 05:42 PM   #3


انثى برائحة الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1718
 تاريخ التسجيل :  08-02-2020
 أخر زيارة : يوم أمس (01:25 PM)
 المشاركات : 130,341 [ + ]
 التقييم :  102623
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 SMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : Blueviolet
افتراضي




الحمد لله رب العالمين؛ أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأقام حجته على الخلق أجمعين، نحمده على عظيم منِّه، وواسع رحمته وفضله، ونشكره على جزيل هباته وعطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، المَهْدِّيُ من هداه، نحنُ عبيده بين يديه، وبه وإليه، لا ملجأ لنا ولا منجى منه إلا إليه ï´؟ فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ï´¾ [الذاريات:50] وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ هدانا به ربُنا عز وجل وزكانا وعلمنا ما لم نكن نعلم ï´؟ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة:151]. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واعتبروا بما مضى من آجالكم، واعمروا ما بقي منها بطاعة الله تعالى؛ فإن الأيام تمضي، والأكفان تنسج، وكل عام جديد تفرحون به فإنه من نقص أعماركم، ومسرع بكم إلى قبوركم، وإن الموت أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، فأعدوا للموت وما بعده العدة، فلسوف تُسألون وتحاسبون، وبأعمالكم تجزون ï´؟ وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ï´¾ [الأعراف:8 - 9].


أيها الناس: قصة موسى عليه السلام هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن، وهي أكبر من غيرها، وتبسط أكثر من سواها، وفيها من الفوائد علم غزير، ومن الدروس شيء كثير، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة نهاره يحدثنا عن بني إسرائيل.



إنها قصة عظيمة غلب فيها صاحب الحق بحقه وحجته وبرهانه أهل الباطل بجندهم وقوتهم وكثرتهم.


والدعوة إلى الله تعالى لها رجالها، ومواجهة الطغاة المستبدين الذين يُعَبِّدون البشر لأنفسهم من دون الله تعالى لها ميادينها وأساليبها، ولا يتقنها ويقوى عليها إلا أفذاذ الرجال، ممن سلمت قلوبهم من التعلق بغير الله تعالى، وأخلصوا دينهم له عز وجل.


وهكذا كان كليم الرحمن موسى بن عمران عليه السلام؛ فلقد اصطفاه الله تعالى مخلصا لبني إسرائيل من ظلم الفراعنة، واصطنعه عز وجل لنفسه، وصنعه سبحانه على عينه، وقدَّر تبارك وتعالى أن ينشأ موسى في بيت فرعون، فلما شبَّ واستوى آتاه الله تعالى حكما وعلما، وابتلاه بالهجرة من مصر إلى مدين، وعمل فيها أجيرا عند الرجل الصالح عقدا من الزمن، فعاد بأهله من مدين إلى مصر بعد طول الغربة، وفي الوادي المقدس طوى، أكرمه الله عز وجل برسالاته، واختصه بكلامه، وكلَّفه بأعظم مهمة يكلف بها بشر، وهي بلاغ الدين، وردع الطغاة المستبدين، وأشرك الله تعالى في هذا الأمر العظيم مع موسى أخاه هارون عليهما السلام؛ ليشد من أزره، ويكون أمضى لعزمه، وأقوى لقلبه ï´؟ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ ï´¾ [القصص:35].


إن أعسر شيء على النفوس البشرية دعوةُ الجبابرة المستكبرين، ومواجهة الطغاة المستبدين؛ لإحقاق الحق، ورفع الظلم؛ ذلك أن الطغاة من البشر لا يخافون الله تعالى في الناس، ولا يردعهم عن الظلم والبطش شفقة ولا رحمة، وقد أحيطوا بجيوش من العسكر ترهب الناس منهم، وجيوش أخرى من المرتزقة تطبل لهم، وتزين في أعينهم سوء عملهم، وتحرضهم على من يعترض على ظلمهم، أو يناصحهم فيه؛ فمن يواجههم وهذه حالهم؟! ولذا كان قول الحق عند سلطان جائر أعظم أنواع الجهاد.


وموسى وهارون عليهما السلام قد أُرسلا إلى فرعون، وفرعون هو فرعون ظلما وبطشا وقهرا للعباد، وتعبيدهم لذاته الحقيرة من دون الله تعالى، وما زال البشر بعد فرعون يضربون به المثل في الظلم والبغي والاستنكاف عن قبول الحق، فيقولون فيمن كان جبارا عنيدا ظالما: هذا فرعون.


قال الله تعالى لموسى عليه السلام ï´؟ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ï´¾ [طه:44].


ومن القول اللين الذي أمر الله تعالى به موسى عليه السلام ما جاء في قوله سبحانه ï´؟ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ï´¾ [النَّازعات:18 - 19].


تأملوا يا عباد الله حلم الله تعالى ورحمته بعباده، وصبره عز وجل على آذاهم، يأمر موسى وهارون عليهما السلام أن يخاطبا فرعون بالرفق واللين، لعل قلبه يلين بالتذكرة والموعظة، وفرعونُ هو من نازع الله تعالى في ربوبيته، ومنع الناس من عبوديته!! وما حاجةُ الله تعالى إلى فرعون، وإلى مئة فرعون مثله؟! وإلى البشر كلهم، وإلى الخلق أجمعين حتى يتلطفهم، ويتودد إليهم، ويأمر بلين الخطاب معهم؟!


لا يحتاج الله تعالى إلى أحد منهم، ولا يرجو سبحانه منهم نفعا ولا يخشى عز وجل ضرا، ولكنها رحمته التي سبقت غضبه، وحلمه على الظالمين من عباده، وصبره على أذى المخلوقين؛ فالحمد له سبحانه إذ كان لنا ربا مليكا مدبرا، وكنا له خلقا عبيدا؛ فإنه كان صبورا حليما عفوا رحيما، قال يزيد الرقاشي عند قوله تعالى ï´؟ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ï´¾ [طه:44]: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟!


لقد كان موسى وهارون عليهما السلام يعلمان قسوة فرعون، وشدة بطشه؛ ولذا لما أمرهما الله تعالى بالذهاب لدعوته ï´؟ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ï´¾ [طه:45] فأمنَّهما من الخوف والفزع مَنْ يملك الأمن والخوف، ومَنْ له جنود السموات والأرض، ومَنْ يملك نواصيَ فرعون وجنده والخلق أجمعين، فكفى به سبحانه حافظا، وكفى به عز وجل وليًا ونصيرا ï´؟ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ï´¾ [طه:46] وبلَّغهما سبحانه وتعالى ما يقولان لفرعون إذا مَثَلا أمامه، وبماذا يخاطبانه ï´؟ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ï´¾ [طه:46 - 48].


فقام موسى وهارون عليهما السلام بأمر الله سبحانه خير قيام، وبلغا فرعون رسالة ربهما عز وجل، ويا لها من مهمة أدياها، ورسالة بلغاها، يعجز عن حملها وأدائها أكثر البشر!!


فكان جواب فرعون لهما جوابَ المستعلم الذي يريد معرفة ما وراءهما، وإلى أي مدى سيصلان في دعوتهما، وجرت بينهما محاورة ظهرت فيها قوة موسى عليه السلام أمام الطاغية، ورباطة جأشه، وبيان حجته، ووضوح دعوته بلا خوف ولا وجل، ولا تنازلات عن شيء من دين الله تعالى.



ï´؟ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ï´¾ [طه:49 - 55].


وبهذه المحاورة العظيمة ألزم موسى عليه السلام فرعون بالحجة والبرهان، وظهرت حجةُ النبي، وبطلت حجة الطاغوت، فما ثَمَّ إلا الإيمان والانقياد، أو الاستكبار والعناد، واللجوء إلى أساليب العاجزين عن مقارعة الحجة بالحجة، وهو أسلوب كل طاغية لا يستطيع أن يُثبت باطله أمام الحق وأهله فيلجأ إلى التهديد والوعيد بالعذاب والنكال.


وهكذا قابل فرعون حجج موسى عليه السلام القاطعة، وبراهينه الساطعة بالتكذيب والوعيد ï´؟ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ï´¾ [طه:56 - 58].


ولكن أمر الله تعالى نافذ، وقدره غالب، ومشيئته فوق مشيئة خلقه؛ إذ سعى فرعون في جلب السحرة ومبارزتهم لموسى عليه السلام أمام الناس..سعى بذلك إلى فضح أمره، وإظهار تهافت حجته، وقوة الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، فكان سحرة فرعون هم أولَ المؤمنين بالحق لما استبان لهم، وفي ذلك من هزيمة فرعون والنكاية به ما لا يوصف، فعذبهم ونكَّل بهم، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلَّبهم في جذوع النخل، وما ردهم ذلك عن إيمانهم شيئا. فما أقوى إيمانهم! وما أصبرهم على ما نالهم من العذاب والنكال في ذات الله تعالى!! رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. وسبحان من هداهم إلى الحق في لمح البصر، ثم ثبتهم عليه إلى أن لقوا الله تعالى. قال ابن عباس رضي الله عنهما:كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة. ï´؟ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ï´¾ [الكهف:17] بارك الله لي ولكم في القرآن...


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، وافتتحوا عامكم الجديد بخير أعمالكم، فإن الله تعالى مطلع على سركم وعلانيتكم، ومن افتتح عامه بالعمل الصالح فحري أن يمضي فيه، وأول العام شهر الله المحرم، وهو أول الأشهر الحرم؛ فإن الله عز وجل جعل فاتحة السنة بشهرٍ محرم، ووسطها بشهر رجبٍ وهو محرم، وخاتمتها بذي الحجة وهو محرم.


ففضيلة هذا الشهر العظيم أنه من الأشهر الحرم المنصوص عليها في القرآن الكريم في قول الله تعالى ï´؟ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ï´¾ [التوبة:36].


فقد نهانا ربنا عز وجل أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الحرم التي منها هذا الشهر، وإنْ كان ظلم النفس حراما في كل الأشهر؛ فإن هذا التحريم يتأكد في الأشهر الحرم، وظلم النفس يكون بالتقصير في الطاعات المأمور بها، وبانتهاك المحرمات المنهي عنها.


وجاء في حديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الزَّمَانَ قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يوم خَلَقَ الله السماوات وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا منها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه الشيخان.


كما أن لشهر محرم فضيلةً أخرى، وهي فضل صيام النافلة فيه على ما سواه من الأشهر؛ روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ...) رواه مسلم.


وقد أضيف هذا الشهر العظيم في الحديث إلى الله تعالى(شهر الله المحرم) ومعلوم أن الصوم مختص بإضافته إلى الله تعالى من بين سائر الأعمال الصالحة؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: الصَّوْمُ لي وأنا أَجْزِي بِهِ) متفق عليه. فناسب أن يتطوع العباد لله تعالى بالعمل المضاف إليه سبحانه وهو الصيام في الشهر المضاف إليه عز وجل وهو المحرم.


وجاء في حديث آخر أن الصيام ضياء، فمن افتتح عامه الجديد بالضياء فهو حري أن يسير به في عامه كله؛ لذا كان لصيام التطوع في محرم مزية على ما سواه من الشهور.


فمن لم يطق صيامه كله، فليصم منه ما يقدر عليه، ولا يفرطنَّ في التاسع والعاشر منه؛ لما في صيام العاشر من الفضل، فهو مكفر لسنة كاملة، ولما في صيام التاسع من مخالفة أهل الكتاب، وقد أمرنا بمخالفتهم.


ففي مشروعية صيام العاشر منه حديثُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قال: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) متفق عليه.


وفي فضله حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ) رواه مسلم.


وفي فضيلة صيام التاسع معه حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) رواه مسلم.


فلا تحرموا أنفسكم هذا الأجر العظيم في فاتحة هذا العام الجديد، واستقبلوه بخير أعمالكم، ولا تظلموا فيه أنفسكم؛ فإن الواحد منا لا يدري متى يباغته أجله، والسعيد من ختم عمره بصالح عمله، والشقي من لقي الله تعالى معرضا عن طاعته، منتهكا لحرماته ï´؟ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ ï´¾ [آل عمران:30].


وصلوا وسلموا على نبيكم....


 

رد مع اقتباس
قديم 09-24-2021, 11:38 PM   #4


منصور غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 183
 تاريخ التسجيل :  07-11-2012
 أخر زيارة : 05-09-2024 (11:15 PM)
 المشاركات : 40,954 [ + ]
 التقييم :  3750
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك


 

رد مع اقتباس
قديم 09-25-2021, 04:22 PM   #5


نهيان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  15-07-2013
 أخر زيارة : اليوم (04:32 AM)
 المشاركات : 173,565 [ + ]
 التقييم :  6618155
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : Azure
افتراضي



جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك


 

رد مع اقتباس
قديم 09-25-2021, 05:53 PM   #6


انثى برائحة الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1718
 تاريخ التسجيل :  08-02-2020
 أخر زيارة : يوم أمس (01:25 PM)
 المشاركات : 130,341 [ + ]
 التقييم :  102623
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 SMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : Blueviolet
افتراضي





 

رد مع اقتباس
قديم 09-27-2021, 01:31 AM   #7


شايان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1716
 تاريخ التسجيل :  08-02-2020
 أخر زيارة : 06-26-2024 (11:59 PM)
 المشاركات : 160,602 [ + ]
 التقييم :  180229
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Female
 SMS ~



 Awards Showcase
لوني المفضل : Blue
افتراضي



أثابك الله الأجر ..
وَ أسعد قلبك في الدنيا وَ الأخرة
دمتِ بحفظ الرحمن


 

رد مع اقتباس
قديم 09-27-2021, 01:04 PM   #8


انثى برائحة الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1718
 تاريخ التسجيل :  08-02-2020
 أخر زيارة : يوم أمس (01:25 PM)
 المشاركات : 130,341 [ + ]
 التقييم :  102623
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 SMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : Blueviolet
افتراضي



أسعدني
مروركم الرائع والجميل
ووجودكم الاروع في متصفحي


 

رد مع اقتباس
قديم 09-27-2021, 04:56 PM   #9


ابو الملكات غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1606
 تاريخ التسجيل :  15-06-2019
 أخر زيارة : 09-28-2021 (01:44 PM)
 المشاركات : 12,448 [ + ]
 التقييم :  3144
 الدولهـ
Sudan
 الجنس ~
Male
 Awards Showcase
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



اللهم صلى وسلم على الحبيب المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم
جزاك الله خير ورحم والديك شكراً على طرحك الكريم


 

رد مع اقتباس
قديم 10-02-2021, 02:52 AM   #10


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 29
 أخر زيارة : يوم أمس (11:49 PM)
 المشاركات : 101,061 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



جزاك المولى خير الجزاء ونفع بك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله
وعمر الله قلبك بالإيمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانية
تحيتي لك


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:16 AM

أقسام المنتدى

۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ أرصفة عامة}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون للنقاش والحوار الجاد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مرافئ الترحيب والإستقبال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سعادة الأسرة بــ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني أنثى نقية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ النكهات المطبخية وفن الوصفات}۩۞۩ @ ۩۞۩{ آفاق إجتماعية في حياة الطفل }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الطب والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ جنة الأزواج }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الديكور والأثاث المنزلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ متنفسات شبابية في رحاب سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني رجل بـ كاريزما }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون صدى الملاعب }۩۞۩ @ ۩۞۩{ عالم الإبداع والتكنولوجيا }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الكمبيوتر والبرامج }۩۞۩ @ ღ مـنـتـدى البـرامــج ღ @ ღ منتدى التصاميم والجرافكس والرسم ღ @ ۩۞۩{ مرافي التبريكات والتهاني }۩۞۩ @ ۩۞۩{ شرفات من ضوء لـ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الصور والغرائب }۩۞۩ @ ღ سكون قسم الألعاب والتسلية والمرح ღ @ ღ المواضيع المكررة والمحذوفه والمقفله ღ @ ۩۞۩{ محكمة سكون القمر الإدارية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ قسم الإدارة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رطب مسمعك ومتع عينيك }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم السري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الفعاليات والمسابقات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ السياحة والسفر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الأخبار المحلية والعالمية }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون اليوتيوب YouTube }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تاجك يا عروس شكل تاني }۩۞۩ @ الآطباق الرئسية والمعجنات والصائر @ أزياء ألاطفال @ ۩۞۩{ ملتقى الأرواح في سماء سكون القمر}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ شؤون إدآرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منتدى المنوعات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الشخصيات والقبائل العربية والانساب }۩۞۩ @ البرامج وملحقات الفوتوشوب @ ۩۞۩{قسم التعازي والمواساه والدعاء للمرضى }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ تطوير الذات وعلم النفس }۩۞۩ @ ღ خاص بالزوار ღ @ ۩۞۩{ سكون خاص لعدسة الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{ فصول من قناديل سكون القمر }۩۞۩ @ منتدى كلمات الاغاني @ خدمة الاعضاء وتغيير النكات والاقتراحات والشكاوي @ ۩۞۩{ الهطول المميز بقلم العضو}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لاعجاز وعلوم وتفسير القرآن الكريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ساحة النون الحصرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القصيد الحصري بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الحصرية بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{القصص الحصرية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ متحف سكون ( لا للردود هنا) }۩۞۩ @ ۩۞۩{ دواوين الأعضاء الأدبية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منوعات أدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ماسبق نشره بقلم الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{الخواطر وعذب الكلام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشعر والقصائد}۩۞۩ @ ۩۞۩{عالم القصة والرواية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الأدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{فنجان قهوة سكون }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات الأعضاء المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تقنية المواضيع }۩۞۩.! @ ۩۞۩{ نزار قباني }۩۞۩.! @ ۩۞۩{الشلات والقصائد الصوتية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتبة شايان}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة منى بلال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة أنثى برائحة الورد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الردود المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{في ضيافتي }۩۞۩ @ ۩۞۩{كرسي الاعتراف }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الادبية عطاف المالكي شمس }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لــ الفتاوى والشبهات }۩۞۩ @ ۩۞۩{حصريات مطبخ الأعضاء }۩۞۩ @ قسم النكت @ ۩۞۩{ المجلس الإداري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الاديب نهيان }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ الطب والحياه }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم الترفيهي}۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات خاصة }۩۞۩ @ ۩۞۩{دواووين شعراء الشعر الحديث والجاهلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتب مديح ال قطب}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الخيمة الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المسابقات والفعاليات الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رمضان كريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الفتاوي الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المطبخ الرمضاني}۩۞۩ @ ۩۞۩{ يلا نٍسأل }۩۞۩ @ قسم الزوار @ مشاكل الزوار @ الارشيف @ دروس الفوتوشوب @ تنسيق وتزيين المواضيع @



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا