ننتظر تسجيلك هـنـا


{ اعلانات سكون القمر ) ~
  <
 
بأيدينا نعلوا بمنتدانا وبمشاركاتكم وكلماتكم نرتقي فلا تقرأ وتمضي ..... الى من يواجه اي مشكلة للدخول وعدم استجابة الباسورد ان يطرح مشكلته في قسم مشاكل الزوار او التواصل مع الاخ نهيان عبر التويتر كلمة الإدارة



۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ • كل مايخص رسولنا الڪريم وسيرٺه وسيرة الصحآبه •°

-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك : أفضل كاتب :
بيانات نهيان
اللقب
المشاركات 173025
النقاط 6618152
بيانات نهيان
اللقب
المشاركات 173025
النقاط 6618152


حقوق النبي صل الله عليه وسلم علينا.(1)..

• كل مايخص رسولنا الڪريم وسيرٺه وسيرة الصحآبه •°


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 11-23-2021, 04:58 PM
عطر الزنبق غير متواجد حالياً
Morocco     Female
Awards Showcase
لوني المفضل White
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل : 27-05-2018
 فترة الأقامة : 2191 يوم
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 العمر : 28
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم : 35940
 معدل التقييم : عطر الزنبق تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي حقوق النبي صل الله عليه وسلم علينا.(1)..



حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا (1).

وجوب الإيمان به.الحمد لله اللطيف الخبير؛ خلق الجن والإنس لعبادته، وكلفهم بحمل أمانته، وأوجب عليهم التزام شريعته، نحمده على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أرسل رسله لتبليغ رسالته، وهداية خلقه، فمنهم من قبل عن الله تعالى هدايته، والتزم شريعته، ومنهم من حقت عليه الضلالة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق هاديا ومعلما، وبشيرا ونذيرا؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى أتاه اليقين فجزاه الله تعالى عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ خير صحب لخير نبي، ترضى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز، وذكر مناقبهم، ومدح صفاتهم، وأثنى على من أحبهم ممن جاءوا بعدهم ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10] وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى - أيها المسلمون - واعملوا صالحا؛ فإن الدنيا ليست لبقائكم، ولا هي منتهى آمالكم، وإن الآخرة هي داركم، ولن تنفعكم فيها آباؤكم ولا أبناؤكم، وإنما ينفعكم إيمانكم وتقواكم، فتزودوا بالإيمان والتقوى ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ

الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].
أيها الناس: من رحمة الله تعالى بعباده هدايتهم وتعليمهم، وإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، وبيان الحق لهم، فمن العباد من قبل رحمة الله تعالى وهدايته، فاتبع رسله، وصدق كتبه، والتزم شريعته؛ فله سعادة الدنيا وفوز الآخرة. ومنهم من أبى رحمة الله تعالى، فعارض رسله، وكذب كتبه، واستنكف عن عبادته؛ فله شقاء الدنيا وعذاب الآخرة.
ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الرسل فلا نبي بعده، أوجب الله تعالى على كل المكلفين منذ بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة الإيمان به، وتصديقه واتباعه؛ فلا دين يوصل إلى الله تعالى إلا دينه، ولا شريعة يحبها الله تعالى ويرضاها لعباده إلا شريعته ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19] وفي الآية الأخرى ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
وجاءت الآيات القرآنية آمرة أمته بالإيمان به ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ﴾ [النساء: 170] وفي آية أخرى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ﴾ [الحديد: 28] وفي ثالثة ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ [التغابن: 8].
وتوعد الله عز وجل من لم يؤمن به سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم بنار جهنم ﴿ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا ﴾ [الفتح: 13].
والإيمان به عليه الصلاة والسلام هو التصديق مع الإقرار بنبوته، وذلك يقتضي محبته وطاعته، والقبول به، والانقياد له، والإذعان لدينه، والاستسلام لشريعته.
وقد أخبرنا الله تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أُرسل إلى الناس كلهم إلى قيام الساعة، وهذا يقتضي بأنه ليس رسولا إلى أمة دون أمة، أو إلى جنس دون جنس، أو رسولا في زمن دون زمن، بل هو رسول الله تعالى إلى العالمين منذ بعثته إلى قيام الساعة في كل زمان ومكان ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28] وأمره الله تعالى أن يخاطب الناس بذلك ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158] وفي الآية الأخرى ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19] وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الإنذار به عام لكل من بلغه، وهي مثل قوله سبحانه ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1] وقال عليه الصلاة والسلام: ((بعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبي إنما يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)) رواه أحمد.
ولوازم هذه النصوص الكثيرة: أن كل من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستجب لها، ولم يؤمن به فهو من الكافرين، ومأواه النار خالدا فيها؛ كما جاء مصرحا به في قوله عزوجل ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ [هود: 17] وفي الآية الأخرى ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 121] وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار} رواه مسلم.
ومن أصول الإقرار برسالته عليه الصلاة والسلام الاعتقاد بأنه آخر الرسل، وخاتم النبيين فلا نبي بعده، فمن ادعى النبوة بعده فهو كاذب، أو ادعى أن له ما للأنبياء من التشريع باسم الولاية أو غيرها فهو كاذب كذلك﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40] وقال عليه الصلاة والسلام:((لا نبي بعدي)) متفق عليه.
ولابد أن يقر العبد بأن ما جاء به من القرآن هو من عند الله تعالى مصدقا لما قبله من الكتب والرسل، وقاضيا على كل الشرائع السابقة، فناسخ لبعضها، ومكمل لأكثرها ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].
وهذا يقتضي طاعته عليه الصلاة والسلام، والاستسلام لشريعته ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ وفي آية أخرى﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النور: 54] وبين سبحانه أن الهداية إنما تكون بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54].
ولا يسع مؤمنا الخروج عن طاعته، أو التحاكم إلى غير شريعته، وإلا لم يكن مؤمنا به {﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36] وفي الآية الأخرى﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
والذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم على أقسام؛ فقسم منهم كذبوه، وزعموا أن الله تعالى لم يرسله إلى الناس نبيا ورسولا، مع قيام الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة على صدقه ونصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، وهذا القسم هم أكثر أمم الأرض في الماضي وفي الحاضر من أنواع الوثنيين والملحدين، ومن طوائف أهل الكتاب.
وقسم آخر زعموا أنهم يصدقونه، ولكنهم جعلوه نبيا لأمة العرب فحسب، وبعضهم يحصرون نبوته في زمن بعثته وحياته، دون القرون التي بعده، أو يحصرونها فيمن هم في مكة أو في جزيرة العرب دون غيرهم. وهؤلاء متناقضون، فإن آمنوا أنه نبي لزمهم أن يصدقوا ما جاء به عن الله تعالى، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بالقرآن وأنه كلام الله تعالى، وفي القرآن أنه عليه الصلاة والسلام مرسل إلى الناس كافة، ورسول الله تعالى إلى الناس جميعا، في كل زمان ومكان؛ فإن آمنوا بنبوته لزمهم تصديق خبره هذا وإلا كانوا متناقضين.
وقسم ثالث أظهروا تصديقهم بنبوته عليه الصلاة والسلام لكنهم زعموا أن الطرق كلها موصلة إلى الله تعالى، وأن الأديان كلها مرضية عنده سبحانه، وهم من يسمون بالروحانيين، وكثير منهم يخصون ذلك بما يسمونه الأديان السماوية أو الأديان الإبراهيمية؛ ليدخلوا اليهودية والنصرانية في الدين الصحيح. وهؤلاء إن كانوا يصدقون بنبوته عليه الصلاة والسلام لزمهم أن يصدقوا بخبره، وقد أخبر عن الله تعالى أن من ابتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، كما أخبر أن من لم يؤمن بما جاء به فهو من أهل النار، ومما جاء به إبطال اليهودية والنصرانية وسائر الأديان والملل سوى دينه عليه الصلاة والسلام؛ فلزمهم تصديقه في ذلك واتباعه، أو تكذيبه، وإلا كانوا متناقضين.
وقسم رابع أظهروا إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم زعموا أن لشريعته باطنا وظاهرا، وأن باطن شريعته لا يعرفه إلا هم ومشايخهم، فخرجوا على ظاهر شريعة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الباطن الذي اخترعوه، وزعموا اختصاصهم به دون سائر الناس، وكل الفرق الباطنية التي أبطلت دين النبي صلى الله عليه وسلم، وقدحت في أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم، وغالت في رؤوسها ومشايخها هم من هذا القسم، وإيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم منقوض بإبطالهم لشريعته عليه الصلاة والسلام، وإحداثهم لدين آخر زعموا أنه باطن دين محمد صلى الله عليه وسلم.
وقسم خامس أظهروا تصديقهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويزعمون الإيمان به وتعظيمه، ويصلون عليه إذا ذكر، ولكنهم يعتقدون أو يظنون أن بوسعهم الخروج عن شريعته، وأن ما جاء به من الدين يختص بما يتعلق بالآخرة من العبادات المحضة والأخلاق ونحوها دون ما يتعلق بالدنيا التي يزعمون أنها متروكة للناس، وكثير من أصحاب الاتجاهات العلمانية هم من هذا القسم، وهم متناقضون أيضا لأنهم إن آمنوا به وصدقوه لزمهم أن يقبلوا أخباره، ويذعنوا لأحكامه المتعلقة بأمور الدنيا وأمور الآخرة ولا فرق، وإلا لم يكونوا مستسلمين لشريعته، وعدم استسلامهم لشريعته قادح في إيمانهم بنبوته عليه الصلاة والسلام.
وكثير منهم يلجأ في تنصله من أوامر الشريعة إلى التحريف والتأويل؛ فما لا يوافق أهواءهم يزعمون خصوصيته في زمن الرسالة دون هذا الزمن، أو يدعون أنه كان لظروف خاصة، أو أنه من قبيل العادات المتروكة للناس، ولا سيما إذا كان الحكم الشرعي متعلقا بالحرية أو الديمقراطية أو له صلة بما يدعونه حقوقا للإنسان أو للمرأة أو نحو ذلك. وسبب ضلالهم هذا أنهم آمنوا بالمناهج الغربية المعاصرة إيمانا مطلقا ثم حاكموا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إليها، فإن وافقتها الشريعة المحمدية انقلبوا إلى علماء ووعاظ وخطباء يدعون الناس إليها، ويستدلون لها، وإن عارضتها الشريعة رفضوها أو تأولوها أو حرفوها أو كذبوها، ومن رفض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقض إيمانه به.
ومع التجييش الإعلامي للمناهج الغربية المنحرفة عن دين الإسلام، والدعاية لها، وإظهار محاسنها؛ قد يجد بعض الناس حرجا في قلبه من أحكام الشريعة، أو عدم انقياد لها، أو تمنٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بها، وهذا الضيق والحرج والتمني مما يقدح في الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يتعارض مع التسليم المطلق له عليه الصلاة والسلام.
إن النتيجة الحتمية للإيمان به عليه الصلاة والسلام، والرضى به نبيا ورسولاً التسليم المطلق فيما جاء به، أو أخبر عنه، وطاعته فيما أمر به أو نهى عنه، من غير ضيق أو حرج أو تعقيب أو جدال أو مناقشة، أو أخذ بالبعض وترك للبعض؛ إذ إن من التناقض أن يزعم العبد أنه مؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يتمرَّد على بعض ما جاء به، أو ينازعه فيه، أو لا يرضى به، أو يُنصِّب نفسه معقِّبًا عليه، أو نحو ذلك ممَّا ينقض الإيمان برسالته عليه الصلاة والسلام.
ألا فاتقوا الله ربكم - أيها المسلمون - وأسلموا له قلوبكم، وأخلصوا له دينكم، واستسلموا لشريعة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الإيمان لا يكون إلا بذلك.
واحذروا مناهج المنحرفين ولو كثروا، ولو زخرفوا كلامهم بلحن القول، وحسن البيان، ولو ملكوا نواصي الإعلام في الأرض، وكانت أصواتهم عالية منتشرة؛ فإن الباطل باطل ولو كثر أتباعه وعلت أصواتهم، وإن الحق حق ولو قلَّ أتباعه وضعفت أصواتهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية.


وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم....

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
أيها المسلمون: أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين، فكان من قبول رحمة الله تعالى: الإيمانُ به عليه الصلاة والسلام، وقبول شريعته، والتزام سنته. كماكان تكذيبه أو رفض شريعته رفضا لرحمة الله تعالى.
ولذا كان أسعد الناس برحمة الله تعالى يوم القيامة هم من قبلوا رحمته في الدنيا، فاتبعوا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام، وكان أبعد الناس عن رحمة الله تعالى في الدار الآخرة هم من لم يقبلوا رحمته في الدنيا، فلم يتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وما طعن الطاعنين في شخص النبي صلى الله عليه وسلم أو في رسالته أو شريعته أو سيرته من قبل كفرة أهل الكتاب، أو من ملاحدة الغرب، أو من زنادقة العرب إلا طعن في الله تعالى، ورفض لرحمته، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وتنزه رسوله صلى الله عليه وسلم عن ما يقولون ويفترون.
ويلهم كيف يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم، ويكذبونه، ويسخرون منه، ويرفضون شريعته، وهو رحمة الله تعالى للناس كلهم إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، مؤمنهم وكافرهم، بل تعدت الرحمة به إلى العجماوات من الطير والحيوان، بما جاء به من دين الإسلام الذي حفظ الحقوق، وأوفى العهود، وأعطى كل ذي حق حقه؛ فكان رحمة لمن على الأرض أجمعين كما قال الله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
لقد رحم الله تعالى به المؤمنين بما ينالونه من السعادة والسكينة والطمأنينة في الدنيا، والفوز العظيم في الآخرة.
ورحم الله تعالى به الكفار بما حفظ لهم من الحقوق، وأوفى لهم من العهود، فلا يكرهون على الإسلام، ولا يغدر بهم لكفرهم، ومن دخل في عهد ذمة أو أمان كان له الأمان في نفسه وأهله وماله، لا يتعدى عليه ولا يظلم ما دام ملتزما عهده، ومن خانه خان دين الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)) رواه البخاري.
بل رحم الله تعالى به الكفار المحاربين للإسلام بما شرع لهم من حقوق وهم محاربون، من دعوتهم إلى الإسلام، وتخييرهم قبل الحرب بينه وبين الجزية، ورحم به نساءهم وذراريهم ورهبانهم وشيوخهم فلا يقتلون في الحرب إلا إذا شاركوا في محاربة المسلمين.
وكانت الرحمة بالحيوان والطير في دين محمد صلى الله عليه وسلم متممة للرحمة بالعالمين، فلا يجوز تعذيبها ولا تجويعها ولا تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه، ولا ذبحها إلا بحقها، وحقها أن يأكلها ولا يرميها، وقد دخل النار امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا أطلقتها، ودخل الجنة بغي في كلب سقته فشكر الله تعالى لها فغفر لها.
فاعرفوا رحمكم الله تعالى قدر نعمة الله سبحانه عليكم ببعثة خاتم النبيين وإمام المرسين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، واحمدوا الله تعالى على نعمته ببعثته إليكم نبيا ورسولا، واشكروه على أن هداكم لدينه، واعرفوا لوازم الإيمان به عليه الصلاة والسلام، واتبعوا سنته، والتزموا هديه، واقبلوا حكمه، ولا تجدوا في صدوركم حرجا من أي شيء جاءكم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الحق من عند الله تبارك وتعالى، وما عارضه فهو الباطل أيا كان مصدره، ومهما كان وزن قائله ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].





رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 05:02 PM   #2


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا.
(2).
الصلاة والسلام عليه
الحمد لله العليم الحكيم؛ ﴿ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75]، نحمده على ما هدانا واجتبانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يثني على من يشاء من عباده بطاعتهم له، وقربهم منه، ويسخِّر ملائكته يدعون لهم؛ ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أعلى الله - تعالى - مقامه، وشرح صدره، ووضع وزره، ورفع ذكره، فهو سيد ولد آدم، وهو صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود، وأول من ينشق عنه القبر، وأول من يشفع، وأول من يدخل الجنة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ خير هذه الأمة سيرةً ومنهجًا، وأكثرهم إخلاصًا وصدقًا، وأزكاهم علمًا وعملاً، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وأعدوا للآخرة عدَّتها، وقدِّموا لها زادها، وإياكم ونسيانها؛ فإنها دارُكم وقراراكم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18 - 19].
أيها الناس:
فَضْلُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته عظيم، وحقه عليهم كبير؛ فبسببه عرفوا الله - تعالى - وما يجب له عليهم، وببلاغه أنقذوا أنفسهم من الجهل والضلال، وأدركوا ما ينفعهم وما يضرُّهم في آخرتهم، فكانت بعثتُه - صلى الله عليه وسلم - رفعًا للجهل، وإزالةً للضلال، ونشرًا للعلم والهدى، وحياةً للقلوب، ونجاةً لمن آمن به، وحجةً على من استكبر عنه.
وعلى أتباعه من أمته حقوقٌ لا بد أن يؤدوها له؛ إذ به اهتدوا إلى الحق والرشاد، ورُفع عنهم الجهل والضلال في قضايا الخلق والوجود، وحكمة ذلك ونهايته، فجزاه الله - تعالى - عنا وعن المسلمين خير ما جزي نبيًّا عن أمته، ورزقنا طاعته واتِّباعه، وأوردنا حوضه، وأدخلنا الجنة في زمرته، آمين آمين.
ولكي يتحقق لنا ذلك؛ فلا بد من تحقيق الإخلاص لله - تعالى - وتجريد المتابعة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - والاجتهاد في الدين الذي بلغه عِلْمًا بأحكامه، وعَمَلاً بمحكمه، وإيمانًا بمتشابهه، ودعوةً إليه، وثباتًا عليه، وصبرًا على الأذى فيه، وإقرارًا بفضل الله - تعالى - إذ هدانا، واعترافًا بفضل رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ بلغنا، وذلك بالديمومة على ذكر الله - تعالى - وشكره وحسن عبادته، وملازمة الصلاة والسلام على المبلغ عنه محمد - صلى الله عليه وسلم -
إن من أحبَّ شيئًا أدام ذكره، ولازم الثناء عليه، ولم يَغْفل عن ذلك أو ينساه، ومن حقوق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - علينا: كثرة الصلاة والسلام عليه؛ كما صلى عليه ربنا - عز وجل - وأمرنا بذلك، وصلى عليه الملائكة عليهم السلام؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
وصلاة الله - تعالى - عليه هي الثناء عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة عليه ثناؤهم عليه بثناء الله - تعالى - ودعاؤهم له، وليست صلاتُنا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شفاعةً له؛ فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكنَّ الله - تعالى - أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا، فإن عجزنا عنها، كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة والسلام عليه؛ ذلك أن أعظم خير حُزناه - وهو الإيمان - وأعظم شر حذرناه - وهو الكفر - كان بسبب بلاغه - صلى الله عليه وسلم.
ومع أن الصلاة والسلام عليه واجب على أمة الإجابة التي اهتدت على يديه، وحق من حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عليها؛ لأمر الله - تعالى -بها؛ فإن الله - تعالى - رتب على هذه العبادة العظيمة أجورًا جزيلةً، جاءت بها أحاديث كثيرة:
فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب لمضاعفة صلاة الله - تعالى -على العبد؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى عليَّ واحدَةً، صلى الله عليه عَشْرًا))؛ رواه مسلم، وفي رواية للنسائي: ((من صلى عليَّ صلاةً واحدةً، صلى الله عليه عَشْرَ صلواتٍ، وحُطَّتْ عنه عَشْرُ خطيئَاتٍ، ورُفِعَتْ له عَشْرُ درجاتٍ)).
وكان من عباد الله الصالحين من يرى أن هذه العبادة أفضل العبادات؛ قال سهل بن عبد الله - رحمه الله تعالى -: "الصلاة على محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل العبادات؛ لأن الله - تعالى - تولاَّها هو وملائكته ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك".
وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: "اللهم تقبَّل شفاعة محمد الكبرى، وارفع درجته العليا، وآته سؤله في الآخرة والأولى، كما آتيت إبراهيم وموسى".
ومن فضل الله - تعالى - على عباده: أن صلاة أحدنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - تبلغه حيث كان، فيعلم أن فلانًا صلى عليه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قَبْري عيدًا، وصلُّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغُنِي حيث كنتم))؛ رواه أبو داود.
ويبلغه صلاتنا عليه ملائكة اختصوا بذلك؛ كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله ملائكةً في الأرض سَيَّاحِينَ يُبَلِّغوني من أمتي السلام))؛ رواه أحمد.
ولو أن الواحد منا إذا ذكر مَلِكًا أو أميرًا أو وزيرًا، فسلَّم عليه ودعا له وبلغته هذه الدعوة - لرأينا الناس تلهج ألسنتهم بذلك، لا يفترون عنه؛ لما يرجون من منافعهم، فكيف إذا كانت الصلاة والسلام يصلان إلى خير خلق الله - تعالى - وأنفعهم للناس، وأصدقهم معهم، وأنصحهم لهم، وتُرجى شفاعته في يوم هو أشد يوم يمرُّ على الإنسان منذ خلق؟! فلماذا نقصِّر في هذا الفضل العظيم؟!
إن من جفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسمع الإنسانُ ذكرَه في مسجد أو مجلس أو سوق أو إذاعة أو تلفزة، فلا يصلي عليه، فمن غَفَل حُرم، ومن تعمَّد أثم؛ قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة، وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب"، وروي في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((من نسيَ الصلاة عليَّ خَطِئَ طريقَ الجنة))؛ رواه ابن ماجة، وفسَّر العلماء النسيان هنا بالترك الدائم، وهو مثل قول الله - تعالى -: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، وفي حديث آخر: ((رَغِمَ أنفُ رجل ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ))؛ رواه الترمذي، وحسَّنه وصححه ابن حِبَّان، وفي حديث جابر - رضي الله عنه - أن جبريل - عليه السلام - قال: "شقي عبد ذُكِرتَ عنده ولم يصل عليك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((آمين))؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد".
وكان أُبَي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - يجعل شيئًا من دعائه صلاةً على النبي - صلى الله عليه وسلم - فشاوره في مقدار ذلك، فقال: "يا رسول الله، إني أُكْثِرُ الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شِئتَ، قال: قلت: الرُّبُع؟ قال: ما شِئْتَ، فإن زِدْتَ، فهو خير لك، قلت: النِّصْف؟ قال: ما شِئْتَ، فإن زِدْتَ، فهو خير لك، قال: قلت: فالثُّلُثَينِ؟ قال: ما شِئْتَ، فإن زِدْتَ، فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا؛ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لك ذنبك"؛ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وفي رواية لأحمد: "أرأيتَ إن جعلْتُ صلاتي كلها عليك، قال: إذًا يَكفيك الله - تبارك وتعالى - ما أهَمَّك من دنياك وآخرتك"، "وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات ودفع المضرات؛ فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب، واندفاع المرهوب".
ولو دعا لبعض الناس، لقال الملك: ولك بمثل، لكن صلاته على النبي - صلى الله عليه وسلم - ينال بها عشر صلوات، فصارت أفضل بهذا الاعتبار، وكان فيها كفاية هموم الدنيا والآخرة، فمن يفرط في هذا الفضل العظيم إلا محروم!
ويوم الجمعة أفضل الأيام، وتتأكد فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفيه الصَّعْقَةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضَةٌ عليَّ))؛ رواه أبو داود.
اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 123].
أيها المسلمون:
حاجة الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة شديدة، فيشفع - صلى الله عليه وسلم - لجميعهم في فصل القضاء بينهم حين يطول بهم المقام، ويشتد الزحام، ويشفع لمن استحقوا الجنة في فتح أبوابها لهم، ويشفع فيمن دخلوا الجنة أن تُرفع درجاتهم فيها، ويشفع لعصاة استوجبوا النار بعصيانهم فيما دون الشرك فينجيهم الله - تعالى - من دخولها بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - ويشفع في أناس موحدين دخلوا النار بذنوبهم حتى صاروا فحمًا فيُخرجون منها بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - وأولى الناس بنيل شفاعته أكثرهم صلاةً عليه؛ لأن صلاتهم عليه دليل محبته.
جاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أولى الناس بِي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاةً))؛ رواه الترمذي، وحسَّنه وصححه ابن حبان، ثم قال عقبه: "في هذا الخبر دليل على أن أولى الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة يكون أصحاب الحديث؛ إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاةً عليه - صلى الله عليه وسلم - منهم".اهـ.
ولذلك؛ يذكر العلماء هذا الحديث وأمثاله في شرف أصحاب الحديث، قال سفيان الثوري - رحمه الله تعالى -: "لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله، فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب - صلى الله عليه وسلم".
ومن فائدة كتابة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يُكتب من الكتب والرسائل والمقالات: أن كتابتها نوعٌ من الصدقة الجارية، فكل من قرأ الصلاة والسلام عليه فيها، كان لكاتبها أجر بذلك، يزداد بتقادم الزمان، وكثرة القُرَّاء، فما أعظمَ فضلَ الله تعالى!
قال الحسن بن محمد الزعفراني: "رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقال لي: يا أبا علي، لو رأيت صلاتنا على النبي في الكتب كيف تزهر بين أيدينا"، وقال عمر بن أبي سليمان الورَّاق: "رأيت أبي في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ قال: بكتابتي الصلاة على رسول الله في كل حديث"، وقد نقل الحُفَّاظ عن جماعة من أهل الحديث أنهم "رُؤوا بعد موتهم وأخبروا أن الله - تعالى - غفر لهم بكتابتهم الصلاة على النبي في كل حديث".
ومن شدة محبة المحدِّثين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يفوتون عبادة الصلاة والسلام عليه كلما ذُكر، ويثبتونها في كتبهم رغم كثرة تكرارها، وإذا خافوا فوات شيء من الحديث تركوا فراغًا للصلاة والسلام عليه يعودون لكتابتها بعد الدرس، قال ابن سنان: "سمعت عباسًا العنبري، وعلي بن المديني يقولان: "ما تركنا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا، فنبيِّض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه".
فأين من هؤلاء العظماء من قلَّ أدبهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيلوك الواحد منهم لسانه بذكره، أو يخطه بقلمه في كتبه، فلا يصلي عليه، استنكافًا وكبرًا، وتقليدًا للمستشرقين، وتميزًا عن سائر المسلمين بالثقافة زعموا، وبعضهم يكتفي برمز الصاد أو "صلعم" عن ذلك، وهذا حرمان من الخير، وسوء أدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم.
وشر من هؤلاء من أحدثوا صلوات على النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجوعة سجع كُهَّان، يرتلونها ترتيل النصارى في كنائسهم، وفي بعضها شرك، كالاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والتوسل به، ودعائه من دون الله -تعالى - وفي كثير منها معان فاسدة، ومدائح فيها غلو، ومحدثات ما أنزل الله - تعالى - بها من سلطان، ولا يحبها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يرضاها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يحب الغلو كما لا يحب الجفاء، ودينه وسط بين الجافين والغالين، وأصحاب هذه المحدثات بعيدون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن سنته، وما أبعدهم إلا الجهل أو الهوى.
فاحذروا عباد الله، الجفاء والغلو، وكونوا وسطًا على الهدي النبوي؛ ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
وصلوا وسلموا عليه تسليما.





 

رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 05:07 PM   #3


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا.
(3).
وجوب محبته.
الحمد لله؛ هدانا صراطه المستقيم، ومنَّ علينا ببعثة سيِّد المرسلين؛ ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

أحمده عددَ ما خلق، وملْء ما خلق، وأشكره عدد ما أحْصى كتابه، وملْء ما أحصى كتابه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أنصح النَّاس للنَّاس، وأتقاهم لله؛ ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه، وعلى آله وأصحابه؛ آمنوا بالله ورسولِه وعزَّروه ونصروه واتَّبعوا النُّور الذي أنزل عليْه، أولئك هم المفلحون، الأنصار منهم والمهاجرون، والتَّابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فأوصيكم - أيها النَّاس - ونفْسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فاتَّقوه حقَّ التَّقوى واستمْسِكوا بالعروة الوثقى، واعلموا أنَّكم إلى ربكم راجِعون، وعلى أقوالكم وأفعالِكم محاسبون، فحاسِبوا أنفسكم قبل الحساب، وزِنوا أعمالَكم قبل الميزان؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].
أيُّها النَّاس:
اختار الله - تعالى - لهذه الأمَّة أفضلَ رسُله، واختار له من الأسماء ما يدلُّ على الحمد والثَّناء، فسمَّاه محمَّدًا، فهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - محْمود عند الله تعالى، محمود عند ملائكته، محمود عند إخوانه المرْسلين - عليهم الصَّلاة والسلام - محْمود عند أهل الأرْض كلِّهم، وإن كفر به بعضهم؛ لأنَّ صفاتِه محْمودة عند كلِّ ذي عقْلٍ وإن كابر وجحد، فصدق عليْه وصفه نفسه حين قال - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((أنا سيِّد ولدِ آدمَ يومَ القيامة ولا فخر، وأوَّل من تنشقُّ عنْه الأرض، وأوَّل شافع، بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمَن دونه))؛ رواه ابن حبَّان.
أغاث الله - تعالى - به البشريَّة المتخبِّطة في ظلُمات الشِّرْك والجهل والخرافة، فكشف به الظُّلمة، وأذْهب الغمَّة، وأصلح الأمَّة، فهو الإمام المطْلق في الهدى لأوَّل بني آدم وآخرهم.
هدى الله تعالى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرشد به من الغَواية، وفتح به أعيُنًا عمْيًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وكثَّر به بعد القلَّة، وأعزَّ به بعد الذلَّة، وأغنى به بعد العيلة.
عرّف الناسَ ربَّهم ومعبودَهم غايةَ ما يمكن أن تناله قُواهم من المعرفة، ولم يدَع لأمَّته حاجة في هذا التَّعريف، لا إلى من قبله، ولا إلى مَن بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن كلِّ مَن تكلَّم في هذا الباب؛ ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]، وعرَّفهم الطَّريق الموصِّلة إلى ربِّهم ورضوانه، ودار كرامته، ولم يدَع - صلَّى الله عليه وسلَّم - حسنًا إلاَّ أمر به، ولا قبيحًا إلاَّ نَهى عنْه.
وعرَّفهم حالهم بعد القدوم على ربِّهم أتمَّ تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدَعْ بابًا من العِلم النَّافع للعباد، المقرِّب لهم إلى ربِّهم إلاَّ فتحه، ولا مشكِلاً إلاَّ بيَّنه وشرحه، حتَّى هدى به القلوبَ من ضلالها، وشفاها به من أسْقامها، وأغاثها به من جهْلِها، فأيّ بشرٍ أحقّ بأن يُحب؟! جزاه الله عنَّا وعن أمَّته أجْمعين أفضل الجزاء.
محبَّته - عليه الصَّلاة والسَّلام - واجبةٌ على كلِّ مسلم؛ إذْ هي من محبَّة الله تعالى، وكذَب مَن زعَمَ أنَّه يُحب الله - تعالى - وهو لا يحبُّ خليلَه وصفيَّه من العالمين، محمَّدًا - عليْه الصَّلاة والسَّلام.
إنَّ محبَّة الله ورسولِه من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أُصوله، وأجلّ قواعده، بل هي أصْل كلِّ عملٍ من أعمال الإيمان والدين، كما أنَّ التَّصديق أصلُ كلِّ قول من أقْوال الإيمان والدِّين.
دلَّ على ذلك نصوص الكتاب والسنَّة، وأطبقت عليه الأمَّة؛ ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، فالآية نصٌّ على أنَّ محبَّة الله - تعالى - ومحبَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَجب أن تقدَّم على كلِّ محبوب مهما كان.
قال القاضي عياض - رحِمه الله تعالى -: "كفى بِهذا حضًّا وتَنبيهًا، ودلالة وحجَّة على إلزام محبَّته، ووجوب فرضِها وعِظَم خطرِها، واستِحقاقه لها - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ قرَّع الله مَن كان مالُه وأهله وولده أحبَّ إليْه من الله ورسوله، وتوعَّدهم بقوله تعالى: ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾، ثمَّ فسَّقهم بتمام الآية، وأعلَمَهم أنَّهم ممَّن ضلَّ ولَم يهده الله تعالى".
وهذه المحبَّة العظيمة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لازمُها أن يكون النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوْلى بالمؤْمِن من أيِّ أحدٍ من النَّاس مهْما كان قربه منه ومحبَّته له، بل هو - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أوْلى بالمؤمن من نفسِه التي يحبُّها أعظم المحبَّة، ويقدِّمُها على كل شيء.
روى الشَّيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من مُؤْمِنٍ إلاَّ وأنا أَوْلَى النَّاس بِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقرؤوا إن شِئْتُمْ: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾))، وروى مسلم من حديث جابر - رضِي الله عنْه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: ((أنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِهِ)).
إنَّ المحبَّة الكاملة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الَّتي ينجو بها العبدُ من العذاب، ويستحقُّ عليها النَّعيم - يجب أن تتجاوز محبَّة المؤمن لنفسه، وتتخطَّى محبَّته لوالديْه وأهلِه وأولاده وأمواله.
ففي شأن تقْديم محبَّته - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على محبَّة الأمِّ والأب، والزَّوجة والولد، وكلّ محبوب سوى الله تعالى - ورد الخبرُ عن أنسٍ - رضِي الله عنْه - قال: قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه))؛ متَّفق عليْه.
وفي شأن تقْديم محبَّته على محبَّة النَّفس، روى البُخاري من حديث عبدالله بن هشام - رضِي الله عنْه - قال: كنَّا مع النبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهُو آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بن الخَطَّابِ، فقال له عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّه، لأَنْتَ أَحَبُّ إليَّ من كل شَيْءٍ إلاَّ من نَفْسِي، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا وَالَّذِي نَفْسِي بيده، حتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ من نَفْسِكَ))، فقال له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ والله لأَنْتَ أَحَبُّ إليَّ من نَفْسِي، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الآنَ يا عُمَرُ))؛ أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب.
وإذا حقَّق المؤمن هذه المحبَّة للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستولتْ محبَّته على قلبِه فقدَّمه على كلِّ محبوب، قطف ثمرة ذلك بحلاوة يجدُها في قلبه، وأنس كبير يَجتاح نفسه، لا يناله بِجاه، ولا يشتريه بمال، ولا يتحصَّل عليه العبد إلاَّ باستيلاء محبَّة الله ورسوله على قلبه؛ كما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ثَلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُه أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلاَّ لله، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ))؛ رواه الشيخان.
وبهذه المحبَّة الخالصة للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينال العبد شفاعتَه، ويُحشر في زمرته، ويُرافقه في الجنَّة؛ كما روى أنس - رضِي الله عنه - فقال: جاء رَجُلٌ إلى رسول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رَسُولَ اللَّه، مَتَى السَّاعَةُ؟ قال: ((وما أعْدَدْتَ لِلسَّاعةِ؟)) قال: حُبَّ اللَّهِ ورَسُولِه، قال: ((فإنَّكَ مع من أحْبَبْتَ))، قال أنَسٌ: فما فَرِحْنا بَعْدَ الإسْلامِ فَرَحًا أشَدَّ من قَوْلِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((فإنَّكَ مع من أحْبَبْتَ))، قال أنَسٌ: فأنا أُحِبُّ اللَّهَ ورَسُولَهُ وأبا بَكْرٍ وعُمَرَ، فأرْجُو أنْ أكُونَ مَعَهُمْ وإنْ لم أعْمَلْ بِأعْمَالِهِم؛ رواه البُخاري ومسلم.
ولا يظنَّن ظانٌّ أنَّ هذه المحبَّة لا يحقِّقُها إلاَّ الصَّحابة - رضِي الله عنْهم - أو أهل القرون المفضَّلة، فييْئس من تحْقيقها، ويقصِّر في تحصيلها؛ فإنَّها وإن كانت في أهل الصَّدر الأوَّل من الإسلام أكثر منها في غيرِهم، إلاَّ أنَّ أفرادًا من متأخِّري هذه الأمَّة يحقِّقونَها، ويقدِّمون محبَّة الله تعالى ومحبَّة رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على كلِّ محبَّة، وودُّوا لو فدَوا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأرواحهم، ويتمنَّون رؤيته بأهلِهم وأموالِهم؛ كما روى مسلم من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مِن أشَدِّ أُمَّتِي لي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بِأهْلِه ومَالِه)).
فنسأل الله - تعالى - أن يجعلنا منهم، وأن يَملأ قلوبَنا محبَّة لله تعالى، ولرسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولِما يحبه الله ورسولُه، آمين يا ربَّ العالمين.
وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرْضى، أحمده وأشكُره، وأتوبُ إليْه وأستغْفِره، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابِه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - عباد الله – وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
أيُّها المسلمون:
محبَّة النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قربةٌ وعبادة يتقرَّب بها المؤمن لله تعالى، والعبادة التي أرادها الله تعالى ويحبُّها ويرضاها من العبد هِي ما ابتُغِي به وجْهه - عزَّ وجلَّ - وكانت على الصِّفة التي شرعها في كتابِه العظيم، وعلى لسان نبيِّه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعِمادها الإخلاص لله تعالى، ومُتابعة رسولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم.
فأمَّا الإخلاص في الأعمال، وابتِغاء وجه الله بها، فهو مقتضى شهادة أن لا إلهَ إلاَّ الله؛ لأنَّ معناها: لا معْبود بحقٍّ إلاَّ الله - سبحانه وتعالى.
وأمَّا متابعة النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهِي مقتضى الشهادة بأنَّ محمَّدًا رسول الله، ولازم من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنَّه رسولُ الله حقًّا: طاعتُه فيما أمر، وتصْديقه فيما أخبر، واجتِناب ما عنْه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله تعالى إلاَّ بِما شرع - صلَّى الله عليه وسلَّم.
فمن حقَّق ذلك فقد حقَّق كمال المحبَّة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكمال تعظيمِه، وغاية توْقيره.
وأيّ تعظيم أو توْقير للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لدى مَن شكَّ في خبره، أو استنْكَفَ عن طاعته، أو ارتكب مُخالفتَه، أو ابتدع في دينه وعبدَ الله تعالى من غير طريقه؟!
وكثيرٌ ممَّن ضلُّوا في هذا الباب يعبدون الله تعالى بمحْض أهوائهم، ويعبِّرون عن حبِّهم للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما لا يحبُّه الله ورسوله من الأقوال والأفعال، ومن ذلك: ما يفعلُه كثيرٌ من المسلمين في هذا الزَّمن من الاحتِفال بالمناسبات النبويَّة: المولد والإسراء والهجرة ونحوها، وجعْل الأيَّام الموافقة لها من كلِّ عامٍ موسِمًا وعيدًا يَجتمعون فيه لتذاكُر أحْوال النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وتلاوة سيرته، وإلقاء القصائد في مديحه، وإطرائه على نحوٍ يُخالف سنَّته الَّتي جاء فيها قوله - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((لا تُطْرُونِي كما أطْرَت النَّصَارَى ابن مَرْيَمَ؛ فإنَّما أنا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عبد الله ورَسُولُه))؛ رواه البخاري.
وقد أمرنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلزوم سنَّته، واتِّخاذ طريقتِه وطريقة خلفائه الرَّاشدين المهديِّين من بعده، وأوصانا بذلك؛ فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((فعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدينَ، تَمَسَّكُوا بها وعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ، وإيَّاكُمْ ومُحْدَثَاتِ الأمُورِ؛ فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))؛ رواه أبو داود.
ولا يشكُّ كلُّ مطَّلع على سنَّة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قارئٍ لسيرتِه، وسيرة خلفائه الرَّاشدين من بعده، لا يشكُّ أنَّ هذه الاحتِفالات بمولده أو إسرائه أو هجْرته - عليْه الصَّلاة والسَّلام - محدثة بعد زمنِه وزمن خلفائه من بعده - رضِي الله عنْهم - وفيها من المخالفة لسنَّته وسيرته ما فيها، وإن رأى أصحابُها خلافَ ذلك؛ جهْلاً منهم أو هوى، ولو كان منهم مَن يُحبُّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حقيقةً فإنَّهم قد أخطؤوا الطَّريق في تعْبيرهم عن هذه المحبَّة، والصَّواب في ذلك اتِّباع سنَّته - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجتِناب ما أحدثه النَّاس عن جهل أوهوى؛ ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32]، ﴿ مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾ [النساء: 80]، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم كما أمركم ربُّكم بذلك...




 

رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 05:11 PM   #4


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا.
(4).



الحمد لله الذي أرسل إليْنا خاتم رسله، وأنزل عليه أفضل كتُبه، وشرع لنا خير الشرائع، وكلَّفنا بأيْسر التَّكاليف؛ فضلاً منه ونعمة والله عليم حكيم، أحمده حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، ﴿ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ﴾ [الحج: 75، 76]، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهرَه على الدين كله ولو كره المشركون، ففتح به قلوبًا غلفًا، وآذانًا صمًّا، وأعيُنًا عميًا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، آمنوا به وعزَّروه ونصروه، وأحبُّوه وعظَّموه، وبذلوا كلَّ ما يملكون من نفسٍ ونفيس فداء له ولدينه، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فأوصيكم - أيُّها النَّاس - ونفْسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فاتَّقوه يصلحْ لكم أعمالَكم، واتَّقوه يدرأْ عنكم تسلُّط أعدائكم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

أيُّها النَّاس:
فضلُ الأنبياءِ - عليْهِم السَّلام - على البشرِ عظيم، وحقُّهم عليه كبير؛ إذ هم المنَّةُ الكبرى، والهدايةُ العُظْمى التي بِها عرفوا الله تعالى، واستبانوا الطَّريق إليْه، وكلُّ سعادةٍ أبديَّة كُتبت لأحدٍ من البشر فهم سببٌ من أسبابها، دعَوا إلى الله - تعالى - سرًّا وجهارًا، ونصحوا للعباد ليلاً ونهارًا، بشَّروا وأنذروا، ورغَّبوا ورهَّبوا، وصبروا على استِكْبار المستكبرين، وصدودِ الممتنِعين، واستِهزاءِ المستهْزئين، وأذى المشْركين والمنافقين، ما وطِئ الأرضَ أقدامٌ خير من أقدامهم، ولا كان في الخلقِ أحدٌ أنصحَ للبشرِ منهم، هم الرَّحمة التي رحم الله - تعالى - بها العبادَ فأخرجهم من الظُّلماتِ إلى النور، ومن الذُّلِّ إلى العزِّ، ومن الشَّقاءِ الأبدي إلى السَّعادة الخالدة؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

فكان حقًّا على البشرِ محبتُهم في الله تعالى، واتباعُهم وتوقيرُهم ونصرَتهم، والاعترافُ بفضلهم، وحفظُ مكانتِهم، وإنزالُهم منازلَهم، فهم عبادُ الله الأطهار، المصطفَونَ الأخيار، يجبُ الإيمان بجميعِهم، والكفرُ بواحدٍ منهم كفرٌ بهم كلِّهم؛ لأنَّ باعثَهم واحدٌ - جلَّ في علاه - ودينَهم كذلك واحدٌ، وهو عبادةُ الله وحْده لا شريك له؛ ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
وأَتْبَاعُهم ليْسوا مَن انتسبوا إليهم مع كفرهم ببعض ما جاؤوا به، كما كَفَر اليهودُ ببعض دينِ موسى - عليه السلام - وكما كفر النَّصارى ببعضِ ما جاء به عيسى - عليه السَّلام - وقد ذمَّهم اللهُ - عزَّ وجلَّ - بسببِ ذلك، وسمَّاهم كفَّارًا رغْم أنَّهم ينتسبون لموسى وعيسى - عليهما السلام - فقال فيهم - جلَّ وعلا -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151].
ولكنَّ أتباعَ الرسلِ هم مَن آمنوا بهم، ودانوا بدينِهم، وعمِلوا بشرائعهم، ولم ينتقوا ما يَهْوَون، أو ينكروا ما لا يشتَهُون، بل قالوا: ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285]، ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84]، فأثْنى الله - تعالى - عليهم بإيمانهم، وباتِّباعهم لرسلهم؛ فقال - سبحانه - فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 152].

ولا يوجدُ على وجهِ الأرْض في هذا العصرِ مَن يصدقُ عليهم أنَّهم متَّبعونَ للأنبياء - عليهم السلام - سوى المسلمين الَّذين صدقوا بنبوتهم من لدنْ آدم - عليه السلامُ - إلى خاتمهم محمَّدٍ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وأمَّا بقيةُ أممِ الأرضِ - على اختلاف أديانِهم ومذاهبِهم - فكفَّارٌ بكلِّ الرُّسلِ والأنبياء، ولو كانوا هم أهلَ الكثرةِ والقوَّةِ؛ فهُما لا تدلانِ على الحق.

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وكان أكثر أتباعِ الأنبِياء في كلِّ التَّاريخ البشري ضعفاء النَّاس ومساكينهم، كما قال هرقْل الروم في أسئِلته لأبي سفيان عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: فأشْرَافُ الناس يتَّبِعُونَهُ أمْ ضُعَفاؤُهُم؟ فقلت: بَلْ ضُعَفَاؤُهُم...، قال هرقل: "وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ"[1].

فالمسلِمون في هذا العصر أوْلى بكلِّ الأنبياءِ والرسُل - عليهم السلام - من كلِّ أممِ الأرْض التي تكذِّبُهم وتكفرُ بهم وبما جاؤوا به.
وإذا انتُهِكَ عرضُ نبيٍّ من الأنبياءِ أو سخِرَ الكافرون والمنافقون به، وَجَب على أتْباعِ الرسل - وهم المسلمون في هذا العصر - أن ينتصِروا له، وأن يذبُّوا عن عرضِه، وأن يدفعوا قالةَ السوء فيه، وأن يُعاقبوا المعتدي أشدَّ العقاب؛ لأنَّ ذلك من محتّماتِ إيمانهم، وواجباتِ دينهم، ولا يُرتجى من أحدٍ أن ينتصرَ لرسُل الله - عليهم السلام - سوى المسلمين، فكيف إذا كانت السخريةُ والطعنُ قد طالت أفضلَ البشر، وخاتمَ الرسُل، وسيدَ ولدِ آدمَ محمَّدًا - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على يدِ ملاحدةِ الغربِ في رسومٍ ساخرة، ومقالاتٍ كاذبة متنقِّصة، تفتري على سيِّدِ البشَر، وتطعنُ في أفضلِ الرُّسُل، وله علينا من الفضْلِ والمنَّةِ ما لا نُحصيه، فما عسانا أن نفعلَ ونحن نقرأُ قول الله تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]، فعلَّق - سبحانه - الفلاح بالنُصرة؛ فمن لم ينْصره فليْس من المفلحين.

وإذا كانت نصرةُ المؤمنين واجبةً بقولِ الله تعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72]، وقول النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))[2]، فكيف بنصرةِ أفضل المؤمِنين، الذي هدانا اللهُ - تعالى - به إلى الإيمان، وأخرَجَنا به من الظلمات إلى النور؟!

وهكذا فَعلَ المسلمون طوالَ تاريخهم، فَدَوا رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بأجسادِهم وأموالهم حيًّا، وذبُّوا عن عرضه ميتًا، وأخبارُهم في ذلك غزيرة.

هذا عليُّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - ينامُ ليلة الهجرةِ في فراشِ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بعد أن تآمرَ المشْرِكون على قتلهِ تلك الليلة، فيُخاطر عليٌّ - رضي الله عنه - بنفسِه دونه - عليه الصَّلاة والسَّلام[3].

وفي غزْوة بدر انبرى فتَيَانِ من الأنصار للانتِقام من أبِي جهْل؛ لأنَّه كان يشتمُ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ويؤْذيه، وقال كلُّ واحدٍ منهُما لعبدالرحمن بن عوف - رضِي الله عنْه -: يا عَمِّ، هل تَعْرِفُ أبا جَهْلٍ؟ قلت: نعم، ما حَاجَتُكَ إليْه يا ابن أخِي؟ قال: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - والَّذِي نَفْسِي بيده، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنَّا، فتَعَجَّبْتُ لِذلكَ .... فلم أنْشَبْ أنْ نَظَرْتُ إلى أبي جَهْلٍ يَجُولُ في الناس، قلتُ: ألا إنَّ هذا صَاحِبُكُما الذي سَأَلْتُمانِي، فابْتَدَراهُ بِسَيْفَيْهِما فضَرَباهُ حتى قتَلاهُ[4].

وفي غزوة أحُد لما دارت الدائرةُ على المسلمين، وأحاط بهم المشرِكون، انْحنى أبو دجانة الأنصاريُّ - رضي الله عنه - على النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فجعلَ مِن ظهره تُرسًا يحمي به النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من نبال المشْركين حتَّى امتلأ ظهرُه سهامًا[5]، لا مَسَّتِ النار ظهره.

وهذا زيدُ بنُ الدَّثِنَة - رضي الله عنْه - أسرَه المشركون وأخرجوه من الحرمِ لقتله، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليقتل: أنْشُدكَ بالله يا زيد، أتحبُّ أنَّ محمَّدًا الآن عندنا مكانَك نضربُ عنقَه وإنَّك في أهلك؟ قال: والله، ما أحبُّ أنَّ محمَّدًا الآن في مكانِه الَّذي هو فيه تصيبُه شوكةٌ تؤْذيه وإني جالسٌ في أهلي، فقال أبو سفيان - رضِي الله عنْه -: ما رأيتُ من النَّاسِ أحدًا يحبُّ أحدًا كحُبِّ أصْحابِ محمَّدٍ محمَّدًا[6].

ورجلٌ أعمى من الصحابةِ - رضي الله عنه - ينتصر للنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيقتلُ أمَّ أولاده بسبب وقوعها فيه، وشتْمها له؛ كما روى ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - أنَّ أعْمَى كانت له أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتَقَعُ فيه، فيَنْهاها فلا تَنْتَهِي ويَزْجُرُها فلا تَنْزَجِرُ، قال: فلمَّا كانت ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ في النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتَشْتُمُه، فأخَذَ المِغوَلَ فوَضَعَه في بَطْنِها واتَّكَأَ عليها فقَتَلَها، فوَقَعَ بين رِجْلَيْها طِفْلٌ فلَطَّخَتْ ما هُنَاكَ بِالدَّمِ، فلما أصْبَحَ ذُكِرَ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجَمَعَ النَّاس فقال: ((أنْشُدُ اللَّهَ رَجُلاً فَعَلَ ما فعَلَ، لي عليه حَقٌّ، إلاَّ قام))، فقَامَ الأعْمَى يَتَخَطَّى النَّاس وهو يَتَزَلْزَلُ، حتَّى قَعَدَ بين يَدَيِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، أنا صَاحِبُها؛ كانت تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فأنْهَاهَا فلا تَنْتَهِي وأزْجُرُهَا فلا تَنْزَجِرُ، ولِي منها ابْنانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتينِ وكانَتْ بي رَفِيقَةً، فلمَّا كانت البَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وتَقَعُ فِيكَ، فأخَذْتُ المِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ في بَطْنِها واتَّكَأْتُ عليها حتى قتَلْتُها، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا اشْهَدُوا أنَّ دَمَها هَدَرٌ))؛ رواه أبو داود[7].

وإذا تجاوزْنا عصر الصَّحابة - رضِي الله عنهم - فإنَّنا نجد المسلمين قد انتصروا للنبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عبر القُرون، ودرؤُوا عنه أذى المؤْذين، وطعْن الطَّاعنين من الكفَّار والمنافقين والمرتدِّين، والحوادثُ في ذلك أكثرُ من أن تُحصر.

وفي الدولةِ الأيوبيَّة أسَرَ الملك الصليبيُّ أرناطُ جمعًا من الحجَّاج وهم في طريقهم إلى مكَّة، فآذاهم وسلبهم وتنقَّص الرَّسولَ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وقدَّمهم للقتْل وهو يقول: أين محمَّدُكم؟ دعوه ينصُركم!

فبلغ ذلك صلاح الدين - رحِمه الله تعالى - فغضِب لذلك أشدَّ الغضب، وحلفَ بالله ليقتُلنَّ الملك أرناطَ بيده لتنقُّصه رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولغدرِه بالمسلمين، فهيَّأَ الله - تعالى - له الأسباب للبرِّ بقسمِه، فكان هذا الملكُ المستكبرُ من ضمْن الملوك الَّذين أَسرهم المسلمونَ في موقعةِ حطّين، فأمَّنَ صلاحُ الدين سائرَ الملوكِ سواه، وأمر بإحضارِ أَرناط حتَّى أقاموه أمامَه، فقام إليْه بالسيف، ودعاه للإسلامِ فامتنع، فذكَّره صلاح الدين بشتْمِهِ للنبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ثمَّ قال له: ها أنا أنتصِر لمحمَّدٍ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - منكَ، فقتله[8].

وفي عصرِ شيخ الإسلام ابنِ تيمية - رحمه اللهُ تعالى - وقَعَ نصرانيٌّ يُدعى عَسَّافًا في عرضِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وشتَمَه، فأرادَ الناس الانتِصار منْه للنَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فاستجار عسافٌ هذا بأحدِ شيوخِ الأعرابِ، فأجاره وحَماه من الناس، فسار الشَّيخانِ تقيُّ الدين ابنُ تيميةَ وزينُ الدين الفارقي إلى الأمير عِزِّ الدِين أَيبك الحمويِّ نائب السلطنة، فكلَّماه في أمره، فأرْسل ليحْضِرَه، فخرج الشَّيخانِ من عنده ومعهُما خلقٌ كثيرٌ من النَّاس، فرأوا عسَّافًا حين قَدِم ومعه الأعرابيُّ الَّذي أجاره، فلم يُطيقوا أن يرَوا شاتمَ نبيِّهِم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فسبُّوه وشتموه، فقال الأعرابيُّ: هو خير منكم؛ يعني: النَّصراني، فرجمهُما النَّاسُ بالحجارة، فأصابت عسافًا إصابة بالغة، فأرسلَ الأميرُ إلى الشَّيخينِ ابنِ تيمية والفارقيِّ فضربَهما بين يديه وسجنَهما، وأحضرَ النصراني فأَظهر الإسلام وزعمَ أنَّ بينه وبين الشُّهودِ عداوة فحُقنَ دمُه لأجل ذلك، وهرب النصرانيُّ بعد ذلك من الشَّام إلى الحجاز، فلحق به ابنُ أخيهِ وقتله قريبًا من مدينةِ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وبسبب هذه الواقعة صنَّف شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ كتابَه العظيم "الصارم المسلول على شاتمِ الرسول"[9]، وقرَّر فيه إجماعَ الأمَّةِ على قتلِ من تنقَّص الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ونقل عن الإمامِ أحمدَ - رحمه الله تعالى - قولَه: "مَن شتم النبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أو تنقَّصه، مسلمًا كان أو كافرًا، فعليه القتْل"[10].

ثم قال شيخُ الإسلام - رحمه الله تعالى -: "أمَّا سبُّ الرَّسولِ والطَّعنُ في الدين ونحوُ ذلك، فهو مما يضرُّ المسلمينَ ضررًا يَفوق ضررَ قتل النَّفس وأَخذ المال من بعضِ الوجوه؛ فإنَّه لا أبلغ في إسفالِ كلمةِ الله، وإذلالِ كتاب الله، وإهانة كتابِ الله من أن يُظهرَ الكافرُ المعاهَد السبَّ والشتمَ لمن جاءَ بالكتاب"[11].

هكذا كان حالُ أسلافِنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - نصرةً له ودفاعًا عنه، ونحمدُ الله تعالى أنَّ كثيرًا من المسلمين في هذا العصر قد ساروا سيرةَ أسلافِهم، فانتفضوا لما تَنقَّصَ بعضُ ملاحدةِ الغرْب رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وظهرَ التعبير عن ذلك بوسائلَ شتَّى من الاعتِراضِ والاستنكارِ، واستدعاءِ السُّفراءِ، وتخصيصِ البرامجِ الإعلاميةِ لذلك، والدَّعوة إلى مقاطعةِ بضائع تلك الدَّولةِ الملْحِدة، وغيرِ ذلك، ونسأل الله تعالى أن يثيبَ كلَّ من غضبَ لله تعالى لما انتُهكت حرمةُ رسوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وأن يحشرَهم في زمرتِه، وأن يوردَهم حوضَه، وأن يسقيهم منه شربةً لا ظمأَ بعدها أبدًا، وأن يدخلَهم الجنَّة معه آمين يا رب العالمين، ونرجو أن نكون ممَّن قال فيهم النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((من أشَدِّ أُمَّتِي لي حُبًّا نَاسٌ يكُونونَ بَعْدِي يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بِأهْلِهِ ومَالِه))؛ رواه مسلم[12].

كما أسأله تبارك وتعالى أن ينتقمَ ممَّن تنقَّص خاتمَ رسلِه، أو أعانَ على ذلك، أو رضيَه، أو دافع عمَّن فعله، وأن يَجعلهم عبرةً لمن خلفِهم، إنَّه على كلِّ شيء قدير، رضِينا بالله تعالى ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - نبيًّا ورسولاً، ونشهد الله - تعالى - على ذلك وكفى بالله شهيدًا.

وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا يليق بجلال ربِّنا وعظيم سلطانِه، أحمده حمدًا كثيرًا، وأشكره شكرًا مزيدًا، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه وعلى آله وأصْحابه إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أيُّها المسلمون:
حقوقُ النبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عليْنا عظيمة، ومهْما عمِلنا لنصرتهِ فإنَّنا لا نفيه حقَّه، ولن نردَّ بذلك إلاَّ بعض ما له علينا، فهو الذي به عرفنا رَبنا، وتعلمنَا أمورَ دينِنا، وما من خير نفعلُه إلاَّ وهو مَن دلَّنا عليه، ولا من شرٍّ نحذرُه إلاَّ وهو مَن حذَّرنا منه، ومن كتبَ الله - تعالى - له الجنَّة وأنجاه من النَّار، فإنَّما دخلَ الجنَّةَ ونُجي من النار بسبب اتِّباعه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فهل أحدٌ من أمَّتهِ يجزيه جزاءَه، أو يفيه حقَّه مهما قدَّم لأجلِه؟! وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

وقال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - للأنْصار: ((ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فهَدَاكُمْ الله بِي، وعَالَةً فأَغْنَاكُمْ الله بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمْ الله بِي؟!)) وَيَقُولُونَ: الله وَرَسُولُهُ أَمَنُّ[13].

وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّه سمع رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ الناس كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فلمَّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وهَذِه الدَّوَابُّ التي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها فجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فيَقْتَحِمْنَ فيها، فأنَا آخذ بِحُجَزِكُم عن النَّارِ وأنتم تقَتحمُون فيها))؛ رواه الشيخان[14].

فجزاه الله عنَّا وعن المسلمين خيرَ ما جزى نبيًّا عن أمَّته، ولنعلم أنَّنا مهْما قدَّمنا لنصرته من مقالةٍ نكتبها، أو حقيقةٍ نبرزُها، أو سيرةٍ نتلوها أو نترجمها، أو دعْوى نبطلها، أو رسالةٍ نرسلها، أو بضاعةٍ نُقاطعها - فهي أقلُّ ما يجبُ عليْنا نصرةً لنبيِنا - صلَّى الله عليْه وسلَّم.

وأمَّا أولئك الملاحدةُ الَّذين طَعنوا فيه، فهُم في سفولٍ وخسرانٍ في الدُّنيا والآخِرة إلاَّ أن يتوبوا ويؤمنوا، فما انتقص أحدٌ رسولَه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ثمَّ سَلِمَ من العقوبة.

أيُّها الإخوة:
لا يظننَّ ظانٌّ أنَّ هذا الحدثَ فرديٌّ أو أنَّه قلمُ عابثٍ، أو فِعل ساخرٍ، بل والله الَّذي لا يُحلف بغيره، إنَّه لبعضُ البغضاءِ التي بدت من أفْواهِهِم وما تخفي صدورهم أكبر.

إنَّ الذي أغاظ الأعداء من يهود ونصارى وملاحدة، من عربٍ وعجم: أنَّه لا يُوجد مقدَّسٌ دينيٌّ لا يخضع للنَّقدِ والأخذِ والردِّ عند كلِّ الأممِ سوى المسلمين، فعندهم كتاب الله - عزَّ وجلَّ - ومن جاء به فوقَ كلِّ نقد؛ ولذا فهم يسعَون جاهدين لتحطيم هذا المقدَّس ورموزهِ بكلِّ ما أوتوا من قوَّة؛ ليتمكنوا من إفساد المسلمين وعلمَنَتهم، لعلمِهم أنَّه عائق بينهم وبين ما يُريدون، وهذه الحقيقة صرَّح بها رئيس تحرير الصَّحيفة الَّتي أساءت للنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذِ استغربَ من هذهِ الحرمةِ والقدسيَّةِ الَّتي لا توجد إلاَّ عند المسلمين، وختم قولَه بأنَّه يسعدُ لو أزال ذلكَ من المسلمين، وسيبْقى لعدوِّ الله تعالى ما يسوءه - إن شاء الله تعالى - فالله تعالى حافظٌ دينَه، معلٍ كلمتَه ولو كرِه المشركون.

وقد دنس إخوانه من قبلُ كتابَ الله تعالى، ووصفوا رسولَه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بأبشعِ الأوْصاف، ومن المتوقَّع أن تستمرَّ هذه السلسلةُ من الهجمات على مقدَّساتِ المسلمين، ولاسيَّما إذا اختبروا ردودَ الأفعالِ فرأَوْها ضعيفة؛ ولذا لا بدَّ من إصرارِ المسلمينَ على حمايةِ مقدَّساتهم، وعدمِ السَّماحِ بالمساسِ بها مهْما كلَّف الأمر؛ ليرتدعَ الملاحدة والمشْرِكون، وليخبو صوتُ المنافقين والجاهلين الَّذين أزعجوا المسلمين بكيفيَّة التَّعامُل مع الآخر، وزعموا أنَّنا لا نفهمُه، وندَّعي عداوتَه، فإذا هذا الآخرُ يصفعُهم بهذه الطامَّةِ الكبرى كما صفعهم بعظائمِ قبلَها، فلتقفْ أقلامُهم، ولتخرسْ ألسنتُهم، وليعودوا إلى إيمانهم خيرًا لهم.

واليهود قد جعلوا من المحرَّمات الدوليَّة التي لا يجوز المساس بها: معاداة السامية، أو نفي المحارقِ النَّازيَّة، ولسنا بأقلَّ من اليهودِ، ولا ابتزازهم للعالم بأكرمَ عليهم من كرامة النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عندنا.

إنَّ الَّذين يدْعون إلى حرية الرأي يُريدون أن يصيرَ حالُ المسلمين حالَ هؤلاءِ الملاحدةِ في قوانينهِم وأنظِمتهم، يَطعنون في جلالِ الله - تعالى - وفي ملائكتهِ ورسُلهِ - عليْهِم السَّلام - فلا يُحاكمون لأنَّ القانون الطَّاغوتي يَحمي حريَّةَ الرأي، فهل مَن يدعون إلى حريةِ الرأْي في بلادِ المسلمين يريدون ذلك؟ أم هُم جاهلون لا يعرفون لوازمَ دعواتِهم ومآلاتهم؟

ولنعلم أنَّ كلَّ داعٍ إلى حريَّةِ الكلمة من الضَّوابط الشرعيَّة فإنَّما هو يُعبِّدُ الطريقَ للطَّاعنين في الله - تعالى - وملائكته وكتبه ورسله، وفي كلِّ معظَّم في نفوسِ المسلمين، مقدَّسٍ عندهم، فهو العدوُّ الَّذي يَجب الحذرُ والتحذيرُ منه، والأخذُ على يدِه؛ لئلا يُعتدى بسببهِ على ربِّنا ودينِنا وقرآنِنا ورسولِنا - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حفِظ اللهُ المسلمين بحفظهِ، وأسبغ عليهم نعمَه، وكفاهم شرَّ أعدائِهم، إنَّه على كلّ شيء قدير، والحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على رسوله وآله وصحبه أجمعين.



 

رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 05:18 PM   #5


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا

(5).
وجوب طاعته.
الحمد لله أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتب هدايةً للخلق أجمعين، فسبحانه من رب رحيم وإله عظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ نصب الأدلة على ربوبيته، وأقام الحجة على خلقه، وأعذر المكلفين من عباده، له الحكمة الباهرة في خلقه وتدبيره، وله الحجة البالغة في أمره ونهيه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أرسله بالبيِّنات، وأيده بالمعجزات، وأمده بجنده، وأظهره على أعدائه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ آمنوا به وعزروه ونصروه وآووه، وفدوه بأنفسهم وأولادهم وعشائرهم وأموالهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - والجؤوا إليه في كل عسير، ولوذوا به في كل عظيم؛ فإنه - جل جلاله - الكبير الذي لا يتعاظمه شيء؛ ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29].
أيها الناس:
من رحمة الله - تعالى - بالمكلفين أن دلَّهم على الطريق إليه، فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأوجب على العباد طاعتهم؛ فهم وسائط بين الله - تعالى - وبين عباده، يصدرون عنه ويتلقون وحيه ويبلغون رسالاته، ويوم القيامة يسألون عن بلاغهم، ويسأل العباد عن إجابتهم؛ ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴾ [المائدة: 109]، وفي الآية الأخرى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 6].
وستشهد أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - على سائر الأمم أن الرسل بلغتها الرسالات، وهذا معنى كونهم شهداء على الناس؛ كما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُجاء بنوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، قَالَ عَدْلاً؛ ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾))، وفي رواية لأحمد وابن ماجة: ((يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا)).
والإيمان بالرسل وطاعتهم واتباع دينهم، والتزام شرائعهم هو الغاية من إرسالهم؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 64]، وما من نبي إلا قال لقومه: اتقوا الله وأطيعون.
ولما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - آخر الرسل وخاتمهم فلا نبي بعده، وجب على كل من بلغته دعوته أن يصدقها ويتبعه فيها، وإلا كان عدوًّا لله - تعالى - ولأنبيائه كلهم، وإن زعم أنه يؤمن ببعضهم، كما هو حال اليهود والنصارى بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذا سموا كفَّارًا في القرآن الكريم؛ لأنهم كفروا برسالته - عليه الصلاة والسلام - كما كفروا بما جاء به موسى وعيسى - عليهما السلام - من البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقُرنوا في القرآن مع المشركين، ووصفوا بأنهم شر الخليقة، وكانت النار مأواهم؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6]، وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((والذي نَفْسُ محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأُمَّة؛ يهودي ولا نصراني ثم يمُوت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))؛ رواه مسلم.
وإنما كان اتباع الرسول واجبًا وطاعته فرضًا؛ لأنه لا ينطق عن الهوى ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]، فكل ما جاء به، فهو من عند الله - تعالى - وحيًا أوحاه إليه، أو فعلاً فعله، فأقرَّه الله - تعالى - عليه فكان وحيًا، ولما طلب المشركون من النبي - صلى الله عليه وسلم - تبديل القرآن، كان خطاب الله - تعالى – له: ﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [يونس: 15]، وتكرر في القرآن كثيرًا التأكيد على أن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ﴾ [الأنبياء: 45]، وفي الآية الأخرى: ﴿ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ﴾ [سبأ: 50].
وتضافرت الآيات الكريمات على إيجاب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته، والتحذير من مخالفته، وجعل طاعته طاعة لله - تعالى - ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، ومبايعته مبايعة لله - تعالى - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح: 10]، وقرن بين اسمه واسمه في المحبة؛ فقال - سبحانه -: ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 24]، وفى الطاعة؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ﴾ [النساء: 13]، وفي المعصية: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ [الجن: 23]، وفي الرضا: ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُأَحَقُّأَنْ يُرْضُوهُ ﴾، وفي الإيذاء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 57].
قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة وثلاثين موضعًا، ثم جعل يتلو: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ ثم يجيب فيقول: الكفر؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]، فيدعون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي؛ لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيزيغ قلبه فيهلكه".
والأمر بطاعة الرسول في القرآن جاء في آيات كثيرة وبصيغ متنوعة، وعلى وجوه متعددة، فتارةً يقرن بين طاعة الله - سبحانه - وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأمر واحد وفعل واحد؛ ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ [آل عمران: 32]، وفي آية أخرى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأنفال: 20]، فعطف طاعة الرسول على طاعته، ولم يكرر الفعل؛ إعلامًا بأن طاعة الله - تعالى - لا تتحقق إلا بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
وتارةً أخرى يأمر الله - سبحانه - بطاعته وطاعة رسوله فيكرر الأمر والفعل؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، وفي المائدة: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ﴾ [المائدة: 92]، وفي النور: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ﴾ [النور: 54]، وفي القتال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]، وكل هذه الآيات وأمثالها تدل على أن طاعة الرسول تجب استقلالاً، فلو أمر - عليه الصلاة والسلام - بأمر لا وجود له في القرآن، وجب طاعته فيه؛ لأن ما جاء به هو في منزلة ما جاء في القرآن من جهة الأمر والنهي ووجوب الأخذ به، كيف وهو القائل - عليه الصلاة والسلام -: ((ألا إني أوتيتُ الكتاب ومِثْله معه، ألا إني أوتيتُ القرآن ومِثْله معه، ألا يوشك رجلٌ ينثني شبْعَان على أَرِيكَتِهِ، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ، فأحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحرِّمُوه))؛ رواه أحمد وأبو داود.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فأمر - تعالى - بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عَرْض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقًا؛ سواء كان ما أمر به في الكتاب أولم يكن فيه؛ فإنه أوتي الكتاب ومثله معه".اهـ.
ولا أدل على تقرير ذلك من أن الله - تعالى - أمر بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -استقلالاً؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].
وفي هذه الآيات ومثيلاتها ردٌّ على من استهان بسنته، فقدَّم عليها أقوال البشر، أو ردَّ شيئًا منها بدعوى عدم إشارة القرآن إليه؛ كما يقول ذلك من يقوله ممن تشرَّبوا الفتنة وقضوا بعقولهم القاصرة على السُّنة، فزاغوا فأزاغ الله - تعالى - قلوبهم.
وتارةً ثالثةً يأمر الله - تعالى - باتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - والتأسِّي به، والأخذ عنه؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]، وفي الأحزاب: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وفي الحشر: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
وتارةً رابعةً يأمر - سبحانه - بالتحاكم إليه وقبول حكمه والتسليم له؛ كما في قوله – تعالى –: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وفي النور: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور:51]، وفي الأحزاب: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36].
فمن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد نصرته، فليمتثل أمره وليجتنب نهيه وليلتزم سنته، وليرضَ بالتحاكم إلى شريعته، ولو كان الحكم مخالفًا لهواه؛ فإن المؤمن لا يكون كامل الإيمان، حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الشريعة والأحكام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158].
بارك الله لي ولكم في القران العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، ونشكره على توفيقه وامتنانه، ونستغفره طلبًا لعفوه وغفرانه، ونسأله طمعًا في ثوابه وإنعامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كبير في ذاته عظيم في أسمائه وصفاته، ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، لا يحبه إلا مؤمن ولا يشنؤه إلا كافر أو منافق، جمع الكمال البشري في شخصه، وبهر العالمين بحسن خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه والتزموا سُنَّة نبيه واتبعوه؛ ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132].
أيها المسلمون:
اعتداءات الكفار والمنافقين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى من يدينون بدينه قديمة قدم ظهور الإسلام، وبلاغ سيد الأنام - عليه الصلاة والسلام - وستظل حملاتهم شديدة الأوار، عظيمة الاضطرام إلى آخر الزمان، تخبو تارةً لعجز الأعداء أو ضعفهم أو انشغالهم بحروب بينهم، ولكنها لا تلبث أن تعود كرةً أخرى أشد ما تكون.
وإن أعظم نصرةً يقدمها المسلم لربه - عز وجل - ولدينه ولنبيه - صلى الله عليه وسلم - هي مزيد من التمسك بالإسلام وتعظيم شعائره وإظهار معالمه وإبراز محاسنه.
إن الأعداء ما شرقوا بالإسلام، ولا نالوا من سيد الأنام، ولا جيشوا الجيوش العسكرية، وحشدوا الأبواق الإعلامية، فدمروا ما دمروا، واحتلوا من بلاد المسلمين ما احتلوا، ونشروا الشهوات في أوساط المسلمين، وقذفوا الشبهات بينهم وحاولوا تزوير دينهم، وانتدبوا المحرفين لهذه المهمة القذرة، فباؤوا بفشل بعد فشل، إنهم ما فعلوا ذلك كله إلا لأن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - بَقِيَ كما هو غضًّا طريًّا كما نزل منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا.
لقد غزوا المسلمين بالتنصير والإلحاد، ورفعوا من شأن الزنادقة والملحدين، فما أفلحوا ونشروا أفكار ماركس ولينين وسارتر ونيتشه، وديوي وديكارت ومالتوس وميل، وعشرات غيرهم، فكان لأفكارهم بريق اغترَّ به شباب المسلمين ردحًا من الزمن، حتى اطمأن الأعداء أن موجة الإلحاد قد شقَّت طريقها في بلاد المسلمين، وأن مآلها مآل الغرب الإلحادي، وما هي إلا سنوات قلائل حتى ماتت هذه الأفكار، وظهر دين محمد - صلى الله عليه وسلم - من جديد، وصار يهدد إلحاد الغرب بانتشار الإسلام بين أفراده، وليست النصرانيَّة المحرَّفة قادرةً على أن تكون بديلاً صالحًا للإسلام، رغم ما ينفق على التنصير من أموال ضخمة.
وإذ ذاك ظهر الوجه الحقيقي لحرية الرأي والحرية الدينية التي يتشدَّق بها الغرب، ويصيح بها المفتونون به وبشعاراته الزائفة، فمنعوا الحجاب وشوَّهوا الإسلام ووصموه بالإرهاب، وضيقوا على المسلمين واتَّهموهم بالتهم الباطلة، وما زاد هذا الإرهاب الغربي الإسلام إلا قوةً وانتشارًا.
إنه الدين الوحيد في التاريخ كله الذي استعصى على محاولات التبديل والتغيير والمسخ والتحريف، وهو الدين الذي لم يقبل المماحكات والمساومات على شريعته وأحكامه، منذ أن رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساومات المشركين وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن من حكم الله الذي لا يُبدَّل أن يبقى الإسلام إلى آخر الزمان رغم أنوف الحاقدين والكارهين.
وهو الدين الوحيد الذي يكون أقوى ما يكون حين يكون أتباعه أضعف ما يكونون، ومن رأى في هذا العصر قوة الأعداء وضعف المسلمين، واجتماعهم وتفرق المسلمين، استبانت له تلك الحقيقة؛ ولذلك أعيتهم الحيل مع الإسلام.
وهو الدين الذي يُحيي أتباعَه نيلُ الأعداء منه، وكم دُنست أديان وأفكار فما رفع أتباعها بذلك رأسًا! ولا سِيِّما إن كانوا ضعفاء، وحين غزا أبرهة الكعبة، قال عبدالمطلب وهو سيد قريش: "أنا ربُّ الإبل، وللبيت ربٌّ يحميه"، وتبدل الحال بالإسلام، فلا ينال من دين الله - تعالى - إلا انتفض المسلمون لذلك، وقلبوا حسابات الأعداء رأسًا على عقب، أفنعجب يا عباد الله إن طفح الغيظ من صدورهم ففعلوا ما فعلوا؟!
وإن أعظم شيءٍ يغيظهم إظهار سُنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من إعفاء اللحَى وتقصير الثياب، والتزام المرأة بالحجاب وتتبع السُنَن النبوية وتطبيقها، والإعلان بها واتخاذها شعارًا؛ تعبدًا لله - تعالى – وإغاظةً لأعدائه، وإن إغاظتهم بطاعة الله - تعالى- وبتطبيق سُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - من أوثق عُرى الإسلام، فهبُّوا يا أنصار محمد - صلى الله عليه وسلم - لنصرته بتطبيق سُنته واجتناب مخالفته؛ فتلك والله أعظم وسائل النصرة.
ومن لاحظ رسوماتهم الفاجرة، بان له أنها ترتكز على الاستهزاء بتلك السُنن الظاهرة التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتخذها الممتثلون لسنته شعارًا لهم.
وإن من سُنَّة نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - التي انتدبكم إليها وحضكم عليها: صيامَ العاشر من مُحرَّم ومخالفة اليهود بصيام يوم قبله أو بعده؛ كما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: قَدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم – المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نَجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهِم، فصامه موسى، قال: ((فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه))؛ رواه البخاري، وفي رواية لمسلم، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومَنَّ التاسع))، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن صيامه مكفِّر للذنوب، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّرَ السَّنَة التي قبله))؛ رواه مسلم.
فصوموه - رحمكم الله تعالى - تعبدًا لله - تعالى - وامتثالاً لسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وطلبًا للأجر.
وصلوا وسلموا.




 

رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 05:19 PM   #6


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



حقوق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم علينا
(6).

ولاية أتباعه والبراءة من أعدائه.

الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 102]، ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ï´¾ [النساء: 1] ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإنَّ خير الكلام كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهَدي هديُ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحْدثاتها، وكل مُحْدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس:
مِن حِكمة الله - تعالى - في عباده أن ابْتلى بعضَهم ببعض، وجعل بعضَهم لبعض فتنة؛ لينظرَ كيف يعملون، ويحاسبهم بما عملوا؛ ï´؟ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ï´¾ [الفرقان: 20]، ولَمَّا زاغ أهل الكُفر والنفاق عن الصِّراط المستقيم، وكذَّبوا المرسلين، أخبر الله - تعالى -: أنَّ ذلك كان بسبب فِتنتهم، واغترارهم بالصورة الظاهرة للرُّسل وأتباعهم، وكونهم من ضَعَفة الناس وليسوا من أشرافهم؛ ï´؟ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ï´¾ [الأنعام: 53].


وهكذا أهل الكفر والاستكبار، لا ينظرون إلى الحقِّ بصفائه ونقائه، وإنما ينظرون إلى حال أتباعه من الضَّعْف والاستكانة، ويجعلون ذلك سببًا لردِّه وعدم قَبوله، إنهم يُحاكمون الحق بمقاييسهم الفاسدة من الثراء والجاه والقوَّة، ويظنُّون أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يصطفي رسلاً وأتباعًا لهم بموجب هذا القانون الفاسد؛ ï´؟ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ï´¾ [الأحقاف: 11]، وقال المشركون في النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ï´؟ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ï´¾ [ص: 8]، ï´؟ وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ï´¾ [الزخرف: 31]، وأخبر الله سبحانه عنهم أنهم ï´؟ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ï´¾ [البقرة: 212].


ولو شاء الربُّ - جل جلاله - لسَخَّر البشر كلهم لعبادته كما كان الملائكة: ï´؟ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ï´¾ [الأنبياء: 19 - 20]، وكما كانوا أيضًا ï´؟ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ï´¾ [التحريم: 6]، ولو شاء - سبحانه - لجعل الدنيا مع رسله وأتباعهم، ولكنَّه أراد ابتلاءَ الرسل بالعباد، وابتلاء العباد بالرسل؛ كما قال الله - تعالى - في الحديث القدسي مخاطبًا خاتم رسله - عليه الصلاة والسلام -: ((إنما بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ، وأبتليَ بِكَ))؛ رواه مسلم.

إذا كانتْ تلك سُنَّةَ الله - تعالى - في عباده؛ فلا بدَّ أن يكون الناس على فريقين: عباد لله تعالى، يَدينون بما أنزل من الحق، ويؤمنون بالكتاب، ويتَّبعون الرسول، ويَلْقون الله - تعالى - على ذلك، والفريق الآخر: عبيد لأهوائهم وشياطينهم، لا يؤمنون بالكتاب، ولا يتَّبعون الرسول، ولا يدينون دين الحق.

ولا بدَّ أن يقع الصِّدام بين الفريقين، ولا الْتقاء بينهما بحال من الأحوال؛ إذ لا يمكن المواءمة بين الإيمان والكفر، ويستحيل الجمعُ بين الحق والباطل، ولا مؤاخاة بين أتباع الرسل - عليهم السلام - وبين أعدائهم؛ بل هي عداوةٌ ثابتة إلى يوم الدِّين، ومَن خرج عن هذا الحكم الشرعي المقتضي للسُّنة الربانية، والحِكمة الإلهية، فإنَّما يضرُّ نفسه، وينسلخ من دِينه، ولن يغيِّر من الحقيقة شيئًا؛ ï´؟ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 98].


ولذا جاءتِ الشريعة داعيةً إلى اتباع الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومحبته في الله تعالى، وموالاته، وموالاة مَن والاه، ومعاداة مَن عاداه، والبراءة من كلِّ مذهب أو دِين سِوى دِينه.


إنَّ مِن أعظم حقوق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علينا أن نواليَ أولياءَه، ونعاديَ أعداءَه، فمَن والاه فهو وليُّنا، ومَن عاداه فهو عدوُّنا؛ ï´؟ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُون ï´¾ [المائدة: 55 - 56].


وموالاة المؤمنين قد أبْدى فيها القرآن وأعاد، وأكَّد وجوبها في آيات كثيرات؛ ï´؟ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ï´¾ [الأنفال: 72]، ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ï´¾ [الأنفال: 75]، ï´؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ï´¾ [التوبة: 71]، وإذا كان ذلك حقّ المؤمن على أخيه المؤمن؛ أن يواليه، فكيف بحقِّ أفضل المؤمنين، وخاتم الأنبياء والمرسلين - عليه الصلاة والسلام؟! فمحبَّته ونصرته، وتولِّيه والولاء فيه فرْضٌ على كل مؤمن ومؤمنة.

ومِن لوازم هذه المحبَّة والتولِّي للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: معاداةُ مَن استكبر عن طاعته، ولم يؤمن بما جاء به، فهو عدوٌّ له ولِمَن آمن به، لكنَّه قد يكون عدوَّ سلمٍ، كمَن كفَّ أذاه عن المسلمين، ولم يُعِن عليهم، وقد يكون حرْبًا عليهم.

وكِلاَ الفريقين أعداء للمسلمين؛ لأنَّهم أعداء لله تعالى ولرسله - عليهم السلام - ومَن حارب منهم حورب، ومَن سالم وخضع لسلطان المسلمين أو صالحهم، قُبِل منه حسبَ مصلحة المسلمين، ولا تنتفي عداوتُه، ولا يجوز أن يواليَه المسلمون ما دام على الكفر، هذا هو دِين الله تعالى، وهذا حُكمه الذي أنزله في القرآن، وإنْ شَرِق به مَن شرق، وأغضب مَن أغضب؛ ï´؟ ‏لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ï´¾ [آل عمران: 28]، ‏وفي المائدة: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [المائدة: 51]، ‏وفي التوبة: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [التوبة: 23]، ‏ ‏‏وفي الممتحنة: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ï´¾ [الممتحنة: 1]، ‏ فبيَّن سبحانه أنَّ سبب النهي عن موالاتهم هو كفرُهم بالحق الذي جاء به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

بل إنَّ هذه القضية العظيمة جاءتِ المفاصلة فيها بين الآباء والأبناء، والإخوان والقرابة والعشيرة؛ فالأُخوَّة في الدِّين أعظم وأوْلى بالمراعاة من الأُخوة في النسب؛ فضلاً عن القرابة والعشيرة، والوطن والعروبة، التي أريد لها أن تحتلَّ مكان الأُخوة في الدِّين؛ ï´؟ لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾ [المجادلة: 22].

وبما قررتْه هذه الآيات المُحْكمات عَمِل الصحابة - رضي الله عنهم - فعادَوْا آباءهم وأمهاتِهم وإخوانهم، وانخلعوا من عصباتهم وعشائرهم؛ موالاةً للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقدَّموا على قرابتهم العبيدَ والموالي، فوالَوْا سلمان وبلالاً، وصُهيبًا وعمَّارًا، لا لشيء إلا لأنَّهم والَوْا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

بل إنهم رفعوا سيوفَهم في وجوه الآباء والإخوان والعشيرة، حتى أظهرَ الله الحقّ، وأزهق الباطل، وقد رُوي أنَّ أبا عبيدة - رضي الله عنه - قتل أباه على الشِّرْك في بدر، وجاء عن عبدالله بن عبدالله بن أُبيِّ بن سلول - رضي الله عنه - أنَّه أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتْلَ عبدالله بن أُبيٍّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمُرْني به، فأنا أحمل إليك رأسَه، فوالله لقد علمتِ الخزرج ما كان فيها رجلٌ أبرُّ بوالده منِّي، وإني أخشى أن تأمرَ به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظرَ إلى قاتل عبدالله بن أُبيٍّ يمشي في الناس، فأقتله فأَقْتل مؤمنًا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بل نترفَّق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا)).

ولَمَّا شاعت مقالة أبيه: (ليخرجن الأعز منها الأذل)؛ يعني: رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقف ابنُه عبدالله على باب المدينة، واستلَّ سيفَه، فجعل الناس يمرُّون عليه، فلما جاء أبوه قال له ابنه: وراءك، فقال: ما لكَ؟! ويلك! فقال: والله لا تجوز مِن ها هنا حتى يأذنَ لك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّه العزيز وأنت الذليل، فأَذِن له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي رواية أنَّه أَجبر أباه على أن ينطق بأنَّه هو الذليل، وبأنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو العزيز.

وقال الصِّدِّيق أبو بكر - رضي الله عنه -: "وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَحَبُّ إليَّ أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي"؛ رواه الشيخان.

وقال عمر بن الخطاب للعباس - رضي الله تعالى - عنهما: "فَوالله لَإِسلامُكَ يوم أَسْلَمْتَ كان أَحَبَّ إلى من إِسْلامِ الْخَطَّابِ لو أَسْلَمَ، وما بِي إِلا أَنِّي قد عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلامَكَ كان أَحَبَّ إلى رسول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من إِسْلامِ الْخَطَّاب"، ولَمَّا قدم أبو سفيان المدينة قبل إسلامه ليزيدَ في هدنة الحديبية دَخَل على ابنته أمِّ المؤمنين؛ أمِّ حبيبة - رضي الله عنها - فلمَّا ذهب ليجلس على فراش النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - طوَتْه دونه، فقال: "يا بُنية، أرغبت بهذا الفراش عنِّي، أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنت امرؤ نَجِسٌ مُشْرِك، فقال: يا بُنيَّة، لقد أصابكِ بعدي شرّ.

هكذا أخلص الصحابة - رضي الله عنهم - دِينهم لله تعالى، وجرَّدوا ولاءَهم له سبحانه، ولرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولدِينه، ولِمَن دان بدِينه، وأعلنوا البراءةَ من الكفر وأهله، وبارزوهم بالعداوة والبغضاء في الله تعالى، متأسِّين في ذلك بخليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - وبأتباعه المؤمنين برسالته؛ إذ جَعَلهم الله - تعالى - أُسوةً في البراءة من الكُفر وأهله؛ ï´؟ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ï´¾ [الممتحنة: 4].

وإبراهيم - عليه السلام - هو الذي أعلن العداوةَ لهم؛ ï´؟ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الشعراء: 75 - 77]، وتأسَّى به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين نابَذَ المشركين فيما يعبدون، فقال: ï´؟ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ [الكافرون: 1 - 2].

وهكذا ينبغي للمسلم التأسِّي بالخليلَيْن؛ إبراهيم ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - في اتخاذ المؤمنين أولياءَ، والكافرين أعداءً.

أسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أوليائه وأولياء رُسله، وأن يكفيَنا شرَّ أعدائه وأعداء رسله، إنه على كلِّ شيء قدير، والحمد لله ربِّ العالمين، وأقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربُّنا ويرْضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فاتَّقوا الله تعالى، ووالوا أولياءَه، وعادوا أعداءه، فإنَّ ولاية الله - تعالى - تُنال بذلك؛ ï´؟ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ï´¾ [يونس: 62 - 63].

وأعظم ولاية يجب أن تُصرف لرسل الله - عليهم السلام - وهي مِن ولاية الله تعالى، والإنسان مفطورٌ على ولاية مَن أحسن إليه بإيصال نفْع أو دفْع ضُرّ؛ ولذا فهو يوالي والديه وإخوانَه وعشيرته، ويعادي أعداءَهم، وأعظم إحسان حازَه المسلم إنَّما كان بسبب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ أوْصل إليه أعظمَ نفْع وهو الإسلام، ودَفَع عنه أعْظمَ ضرر وهو الكُفْر؛ فكان له من الحق والمحبَّة، والنصرة والولاية، ما ليس للآباء والأمهات، بل هو أوْلى بكل مؤمِن من نفسه؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ï´¾ [الأحزاب: 6]، وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((ما مِن مُؤْمِنٍ إلاَّ وأنا أَوْلَى بِهِ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقرؤوا إن شِئْتُم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}))؛ رواه البخاري.

وفي السُّنن قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِه، فَمَن تَرَكَ دَيْنًا أو ضَيْعَةً فإليّ، وَمَن تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِه، وأنا موْلَى مَن لاَ مولى له، أَرِثُ مالَه، وَأَفُكُّ عَانَه))؛ أي: أسيره.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنما أنا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوالدِ؛ أُعَلِّمُكُم))؛ رواه أبو داود.

والعوام تقول: (عدوُّ أبِيك عدوُّك)، وما زال الناس يعادون أعداءَ آبائهم، وينكرون على مَن والى أعداءَ أبيه، ويعدُّونه عقوقًا وظلمًا، فإذا كان الأمر كذلك، فكيف بمن عادَى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي هو الأبُ الحقيقي لكلِّ مؤمن ومؤمنة، وحقُّه مُقدَّم على سائر الحقوق بعد حقِّ الله تعالى؟!

إنه يجب إحياءُ الولاء للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القلوب، ومعاداة أعدائِه من الكفَّار والمنافقين والمرتدِّين، الذين يسخرون منه ومِن دِينه، ويُكذِّبون بوَعْده ووعيده، فهم الأعداء، وإن أظهروا النُّصْح، وتظاهروا بالصَّداقة.

وهم الأعداء، ولو قال المنافقون والجاهلون من أهل السياسة والصحافة غيرَ ذلك، ولو أظهروهم على خلاف ما وصف القرآن العظيم، فكَذَبوا وصَدَق الله العظيم: ï´؟ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ï´¾ [النساء: 87].

إنَّ الله - تعالى - هو خالِق الخلق، وهو أعلمُ بدخائل النفوس، ومُطَّلع على مكنون الصدور، وقد بيَّن لنا أعداءَنا من إخواننا، وفصَّل لنا أحوالَ أعدائنا وأنواعهم مِن مشركين ومنافقين وأهل كتاب؛ وذكر شيئًا مِن حسدهم وعداوتهم لنا، فقال - سبحانه - في المشركين: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 8 - 10]، وفي الآية الأخرى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2].

وقال - سبحانه - في المنافقين: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، وخاطب رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال - سبحانه - في المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4].
وقال - سبحانه - في اليهود والنصارى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].

وأخبر - سبحانه - أنَّهم ساعون في إضلالنا: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} [آل عمران: 69].

وبيَّن - عزَّ وجلَّ - أنَّنا إن أطعْناهم فيما يريدون، ووافقْنا على مشاريعهم التغريبية، خَرجْنا من دِيننا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100].

وأخبر - سبحانه - عنهم وعن المشركين: أنَّهم يَكْرهون وصولَ الخير لنا؛ فقال - سبحانه -: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105]

أفَبعْدَ هذه الآيات المحكمات الواضحات في حقيقة أعدائِنا يشكُّ بعضُ الناس في عداوتهم؛ لأنَّ فريقًا من الجهلة والمنافقين يصوِّرونهم على غير حقيقتهم، ويُظهرونهم بغير مظهرهم؛ تلبيسًا على الناس، ومخادعةً لهم؟! أَيترك الناسُ كلامَ مَن خلقهم، وهو أعلم بهم؛ {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] إلى كلام جَهلةٍ ومنافقين؟! كيف والله - تعالى - يخاطبنا، فيقول - عزَّ من قائل -: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45].

وما هذا التآلُب الغربي عقبَ هذه الرسوم الفاجرة، وإعادة نشْرها مرَّات وكرَّات، والتلويح بإعادة الحروب الصليبيَّة مِن جديد، إلاَّ دلائل واقعية تدحض أقوالَ الجهلة والمنافقين، الذين خَدعوا كثيرًا من الناس بتحسين صورةِ الأعداء في نفوسهم، حتى كان ما كان، ولعلَّ مَن كان نائمًا أن يُفيق، ومَن كان جاهلاً أن يعلم، ومَن كان مُغرَّرًا به مِن قِبَل الإعلام المضلِّل أن يتبصَّر، فما بعد هذا الوضوح مِن وضوح، ولا عداوة أشدُّ من تلك العداوة، التي يُعتدَى فيها على مَن محبَّتُه في قلوبنا فاقتْ محبَّة الآباء والأمهات، والأولاد والزوجات، بآبائنا هو وأمهاتنا - صلَّى الله عليه وسلَّم.

والمؤمن لا يحتاج لمثل هذه الوقائع حتى يعلمَ حقيقةَ الأعداء، ويوقِن بعداوتهم الدِّينية لنا؛ لأنَّ المؤمن يسترشد في ذلك بكتاب الله - تعالى - الذي بيَّن حقيقتهم أبلغَ بيان، وفصَّلها أحسن تفصيل.

ورُبَّ ضارَّة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم؛ فلعلَّ هذه النازلة العظيمة تَزيد المؤمنين إيمانًا إلى إيمانهم، وتَقْطع الرِّيبة ممن في قلْبه شكٌّ ورِيبة، وتفضح المنافِق الذي يلتمس المعاذير، أو يفلسف القضية محاولاً احتواءَها، والتقليل من آثارها.

ولا يقضي الله - تعالى - قضاءً إلا كان فيه خيرٌ بوجه من الوجوه، فاحْمدوا الله - تعالى - على نِعمه، واستمسكوا بدِينكم، واعْرِفوا حقيقةَ أعدائكم، واجعلوا ولاءَكم لله تعالى، وتولَّوْا رُسلَه وصالحَ المؤمنين، وتبرَّؤوا من الكافرين والمنافقين، وربُّوا أولادكم على عقيدة الولاء والبراء، فإنَّها مما يحفظ على المرءِ دِينه وعقيدته، والمحافظة عليها مِن أكبرِ أسباب إغاظةِ الكافرين والمنافقين.

وصلُّوا وسلِّموا....





 

رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 06:21 PM   #7


نهيان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  15-07-2013
 أخر زيارة : اليوم (01:56 AM)
 المشاركات : 173,025 [ + ]
 التقييم :  6618152
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : Azure
افتراضي



جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك


 

رد مع اقتباس
قديم 11-23-2021, 06:26 PM   #8


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهيان
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك




 

رد مع اقتباس
قديم 11-24-2021, 01:38 AM   #9


عبيرالشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1847
 تاريخ التسجيل :  23-09-2020
 أخر زيارة : 06-26-2023 (10:31 PM)
 المشاركات : 1,302 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 Awards Showcase
لوني المفضل : Blue
افتراضي





 

رد مع اقتباس
قديم 11-24-2021, 02:37 AM   #10


عطر الزنبق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل :  27-05-2018
 العمر : 28
 أخر زيارة : 05-20-2024 (02:28 PM)
 المشاركات : 100,502 [ + ]
 التقييم :  35940
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 Awards Showcase
لوني المفضل : White
افتراضي



اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبيرالشوق







 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 AM

أقسام المنتدى

۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ أرصفة عامة}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون للنقاش والحوار الجاد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مرافئ الترحيب والإستقبال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سعادة الأسرة بــ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني أنثى نقية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ النكهات المطبخية وفن الوصفات}۩۞۩ @ ۩۞۩{ آفاق إجتماعية في حياة الطفل }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الطب والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ جنة الأزواج }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الديكور والأثاث المنزلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ متنفسات شبابية في رحاب سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني رجل بـ كاريزما }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون صدى الملاعب }۩۞۩ @ ۩۞۩{ عالم الإبداع والتكنولوجيا }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الكمبيوتر والبرامج }۩۞۩ @ ღ مـنـتـدى البـرامــج ღ @ ღ منتدى التصاميم والجرافكس والرسم ღ @ ۩۞۩{ مرافي التبريكات والتهاني }۩۞۩ @ ۩۞۩{ شرفات من ضوء لـ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الصور والغرائب }۩۞۩ @ ღ سكون قسم الألعاب والتسلية والمرح ღ @ ღ المواضيع المكررة والمحذوفه والمقفله ღ @ ۩۞۩{ محكمة سكون القمر الإدارية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ قسم الإدارة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رطب مسمعك ومتع عينيك }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم السري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الفعاليات والمسابقات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ السياحة والسفر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الأخبار المحلية والعالمية }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون اليوتيوب YouTube }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تاجك يا عروس شكل تاني }۩۞۩ @ الآطباق الرئسية والمعجنات والصائر @ أزياء ألاطفال @ ۩۞۩{ ملتقى الأرواح في سماء سكون القمر}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ شؤون إدآرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منتدى المنوعات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الشخصيات والقبائل العربية والانساب }۩۞۩ @ البرامج وملحقات الفوتوشوب @ ۩۞۩{قسم التعازي والمواساه والدعاء للمرضى }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ تطوير الذات وعلم النفس }۩۞۩ @ ღ خاص بالزوار ღ @ ۩۞۩{ سكون خاص لعدسة الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{ فصول من قناديل سكون القمر }۩۞۩ @ منتدى كلمات الاغاني @ خدمة الاعضاء وتغيير النكات والاقتراحات والشكاوي @ ۩۞۩{ الهطول المميز بقلم العضو}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لاعجاز وعلوم وتفسير القرآن الكريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ساحة النون الحصرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القصيد الحصري بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الحصرية بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{القصص الحصرية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ متحف سكون ( لا للردود هنا) }۩۞۩ @ ۩۞۩{ دواوين الأعضاء الأدبية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منوعات أدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ماسبق نشره بقلم الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{الخواطر وعذب الكلام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشعر والقصائد}۩۞۩ @ ۩۞۩{عالم القصة والرواية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الأدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{فنجان قهوة سكون }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات الأعضاء المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تقنية المواضيع }۩۞۩.! @ ۩۞۩{ نزار قباني }۩۞۩.! @ ۩۞۩{الشلات والقصائد الصوتية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتبة شايان}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة منى بلال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة أنثى برائحة الورد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الردود المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{في ضيافتي }۩۞۩ @ ۩۞۩{كرسي الاعتراف }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الادبية عطاف المالكي شمس }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لــ الفتاوى والشبهات }۩۞۩ @ ۩۞۩{حصريات مطبخ الأعضاء }۩۞۩ @ قسم النكت @ ۩۞۩{ المجلس الإداري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الاديب نهيان }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ الطب والحياه }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم الترفيهي}۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات خاصة }۩۞۩ @ ۩۞۩{دواووين شعراء الشعر الحديث والجاهلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتب مديح ال قطب}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الخيمة الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المسابقات والفعاليات الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رمضان كريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الفتاوي الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المطبخ الرمضاني}۩۞۩ @ ۩۞۩{ يلا نٍسأل }۩۞۩ @ قسم الزوار @ مشاكل الزوار @ الارشيف @ دروس الفوتوشوب @ تنسيق وتزيين المواضيع @



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا